الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (218) قوله تعالى: إن الذين آمنوا : إن واسمها، و "أولئك" مبتدأ، و "يرجون" خبره، والجملة خبر "إن"، وهو أحسن من كون "أولئك" بدلا من "الذين" و "يرجون" خبر "إن". وجيء بهذه الأوصاف الثلاثة مترتبة على حسب الواقع، إذ الإيمان أول ثم المهاجرة ثم الجهاد. وأفرد الإيمان بموصول وحده لأنه أصل الهجرة والجهاد، وجمع الهجرة والجهاد في موصول واحد لأنهما فرعان عنه، وأتى بخبر "إن" اسم إشارة لأنه متضمن للأوصاف السابقة. وتكرير الموصول بالنسبة إلى الصفات لا الذوات، فإن الذوات متحدة موصوفة بالأوصاف الثلاثة، فهو من باب عطف بعض الصفات على بعض والموصوف واحد. ولا تقول: إن تكرير الموصول يدل على تغاير الذوات الموصوفة لأن الواقع كان كذلك. وأتى بـ "يرجون" ليدل على التجدد وأنهم في كل وقت يحدثون رجاء.

                                                                                                                                                                                                                                      والمهاجرة مفاعلة من الهجر، وهي الانتقال من أرض إلى أرض، وأصل الهجر الترك. والمجاهدة مفاعلة من الجهد. وهو استخراج الوسع وبذل المجهود، والإجهاد: بذل المجهود في طلب المقصود، والرجاء: الطمع، وقال الراغب: وهو ظن يقتضي حصول ما فيه مسرة، وقد يطلق على الخوف، وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      940 - إذا لسعته النحل لم يرج لسعها وخالفها في بيت نوب عواسل

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 403 ] أي: لم يخف، وقال تعالى: "لا يرجون لقاءنا" أي: لا يخافون، وهل إطلاقه عليه بطريق الحقيقة أو المجاز؟ فزعم قوم أنه حقيقة، ويكون من الاشتراك اللفظي، وزعم قوم أنه من الأضداد، فهو اشتراك لفظي أيضا. قال ابن عطية: "وليس هذا بجيد". يعني أن الرجاء والخوف ليسا بضدين إذ يمكن اجتماعهما، ولذلك قال الراغب: - بعد إنشاده البيت المتقدم - "ووجه [ذلك] أن الرجاء والخوف يتلازمان"، وقال ابن عطية: "والرجاء أبدا معه خوف، كما أن الخوف معه رجاء". وزعم قوم أنه مجاز للتلازم الذي ذكرناه عن الراغب وابن عطية.

                                                                                                                                                                                                                                      وأجاب الجاحظ عن البيت بأن معناه لم يرج برء لسعها وزواله فالرجاء على بابه". وأما قوله: "لا يرجون لقاءنا" أي لا يرجون ثواب لقائنا، فالرجاء أيضا على بابه، قاله ابن عطية. وقال الأصمعي: "إذا اقترن الرجاء بحرف النفي كان بمعنى الخوف كهذا البيت والآية. وفيه نظر إذ النفي لا يغير مدلولات الألفاظ.

                                                                                                                                                                                                                                      وكتبت "رحمة" هنا بالتاء: إما جريا على لغة من يقف على تاء التأنيث بالتاء، وإما اعتبارا بحالها في الوصل، وهي في القرآن في سبعة مواضع كتبت في الجميع تاء، هنا وفي الأعراف: "إن رحمت الله"، وفي هود: "رحمت الله [ ص: 404 ] وبركاته"، وفي مريم: "ذكر رحمت ربك"، وفي الروم: "فانظر إلى آثار رحمت الله"، وفي الزخرف: "أهم يقسمون رحمت ربك ورحمت ربك خير".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية