الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (205) قوله تعالى: وإذا تولى سعى : "سعى" جواب إذا الشرطية وهذه الجملة الشرطية تحتمل وجهين، أحدهما: أن تكون عطفا على ما قبلها وهو "يعجبك" فتكون: إما صلة أو صفة حسب ما تقدم في "من"، والثاني أن تكون مستأنفة لمجرد الإخبار بحاله، وقد تم الكلام عند قوله: "ألد الخصام".

                                                                                                                                                                                                                                      والتولي والسعي يحتملان الحقيقة أي: تولى ببدنه عنك وسعى بقدميه، والمجاز بأن يريد بالتولي الرجوع عن القول الأول، وبالسعي العمل والكسب من السعاية، وهو مجاز شائع، ومنه: "وأن ليس للإنسان إلا [ ص: 352 ] ما سعى" وقال امرؤ القيس:


                                                                                                                                                                                                                                      897 - فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة كفاني ولم أطلب قليل من المال     ولكنما أسعى لمجد مؤثل
                                                                                                                                                                                                                                      وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي

                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخر:


                                                                                                                                                                                                                                      898 - أسعى على حي بني مالك     كل امرئ في شأنه ساعي

                                                                                                                                                                                                                                      والسعاية بالقول ما يقتضي التفريق بين الأخلاء، قال:


                                                                                                                                                                                                                                      899 - ما قلت ما قال وشاة سعوا     سعي عدو بيننا يرجف

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "في الأرض"" متعلق بـ "سعى"، فإن قيل: معلوم أن السعي لا يكون إلا في الأرض قيل: لأنه يفيد العموم، كأنه قيل: أي مكان حل فيه من الأرض أفسد فيه، فيدل لفظ الأرض على كثرة فساده، إذ يلزم من عموم الظرف عموم المظروف، و "ليفسد" متعلق بـ "سعى" علة له.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ويهلك الحرث" الجمهور على: "يهلك" بضم الياء وكسر اللام ونصب الكاف. "الحرث" مفعول به، وهي قراءة واضحة من: أهلك يهلك، والنصب عطف على الفعل قبله، وهذا شبيه بقوله تعالى: "وملائكته ورسله وجبريل" فإن قوله: "ليفسد" يشتمل على أنه يهلك الحرث والنسل، فخصهما [ ص: 353 ] بالذكر لذلك. وقرأ أبي: "وليهلك" بإظهار لام العلة وهي معنى قراءة الجمهور، وقرأ أبو حيوة - ورويت عن ابن كثير وأبي عمرو - "ويهلك الحرث والنسل" بفتح الياء وكسر اللام من هلك الثلاثي، و "الحرث" فاعل، و "النسل" عطف عليه. وقرأ قوم: "ويهلك الحرث" من أهلك، و "الحرث" مفعول به إلا أنهم رفعوا الكاف. وخرجت على أربعة أوجه: أن تكون عطفا على "يعجبك" أو على "سعى" لأنه في معنى المستقبل، أو على خبر مبتدأ محذوف أي: وهو يهلك، أو على الاستئناف. وقرأ الحسن: "ويهلك" مبنيا للمفعول، "الحرث" رفعا، وقرأ أيضا: "ويهلك" بفتح الياء واللام ورفع الكاف، "الحرث" رفعا على الفاعلية، وفتح عين المضارع هنا شاذ لفتح عين ماضيه، وليس عينه ولا لامه حرف حلق فهو مثل ركن يركن بالفتح فيهما. و "الحرث" تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      والنسل: مصدر نسل ينسل أي: خرج بسرعة، ومنه: نسل وبر البعير، ونسل ريش الطائر أي: خرج وتطاير، وقيل: النسل الخروج متتابعا، ومنه: "نسال الطائر" ما تتابع سقوطه من ريشه، قال امرؤ القيس:


                                                                                                                                                                                                                                      900 - وإن تك قد ساءتك مني خليقة     فسلي ثيابي من ثيابك تنسل

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: "من كل حدب ينسلون" يحتمل المعنيين. و "الحرث والنسل" وإن كانا في الأصل مصدرين فإنهما هنا واقعان موقع المفعول به.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية