الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (212) قوله تعالى: زين : إنما لم تلحق الفعل علامة تأنيث لكونه مؤنثا مجازيا، وحسن ذلك الفصل. وقرأ ابن أبي عبلة: "زينت" بالتأنيث مراعاة للفظ. وقرأ مجاهد وأبو حيوة: "زين" مبنيا للفاعل، و "الحياة" مفعول، والفاعل هو الله تعالى، والمعتزلة يقولون: إنه الشيطان.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: "ويسخرون" يحتمل أن يكون من باب عطف الجملة الفعلية على [ ص: 372 ] الجملة الفعلية، لا من باب عطف الفعل وحده على فعل آخر، فيكون من عطف المفردات، لعدم اتحاد الزمان. ويحتمل أن يكون "يسخرون" خبر مبتدأ محذوف، أي: وهم يسخرون فيكون مستأنفا، وهو من عطف الجملة الاسمية على الفعلية. وجيء بقوله: "زين" ماضيا دلالة على أن ذلك قد وقع وفرغ منه، وبقوله: "ويسخرون" مضارعا دلالة على التجدد والحدوث.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "والذين اتقوا فوقهم" مبتدأ وخبر، و "فوق" هنا تحتمل وجهين، أحدهما: أن تكون ظرف مكان على حقيقتها، لأن المتقين في أعلى عليين، والكافرين في أسفل سجين. والثاني: أن تكون الفوقية مجازا: إما بالنسبة إلى نعيم المؤمنين في الآخرة ونعيم الكافرين في الدنيا. و "يوم" منصوب بالاستقرار الذي تعلق به "فوقهم".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "من يشاء" مفعول "يشاء" محذوف، أي: من يشاء أن يرزقه. و "بغير حساب" هذا الجار فيه وجهان، أحدهما: أنه زائد. والثاني: أنه غير زائد، فعلى الأول لا تعلق له بشيء، وعلى الثاني هو متعلق بمحذوف. فأما وجه الزيادة: فهو أنه تقدمه ثلاثة أشياء في قوله: "والله يرزق من يشاء" الفعل والفاعل والمفعول، وهو صالح لأن يتعلق من جهة المعنى بكل واحد منها، فإذا تعلق بالفعل كان من صفات الأفعال، تقديره: والله يرزق رزقا غير حساب، أي: غير ذي حساب، أي: أنه لا يحسب ولا يحصى لكثرته، فيكون في محل نصب على أنه نعت لمصدر محذوف، والباء زائدة.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا تعلق بالفاعل كان من صفات الفاعلين، والتقدير: والله يرزق غير [ ص: 373 ] محاسب بل متفضلا أو غير حاسب، أي: عاد. فـ "حساب" واقع موقع اسم فاعل من حاسب أو من حسب، ويجوز أن يكون المصدر واقعا موقع اسم مفعول من حاسب، أي: الله يرزق غير محاسب أي: لا يحاسبه أحد على ما يعطي، فيكون المصدر في محل نصب على الحال من الفاعل، والباء فيه مزيدة.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا تعلق بالمفعول كان من صفاته أيضا والتقدير: والله يرزق من يشاء غير محاسب أو غير محسوب عليه، أي: معدود عليه، أي: إن المرزوق لا يحاسبه أحد، أو لا يحسب عليه أي: لا يعد. فيكون المصدر أيضا واقعا موقع اسم مفعول من حاسب أو حسب، أو يكون على حذف مضاف أي غير ذي حساب أي: محاسبة، فالمصدر واقع موقع الحال والباء أيضا زائدة فيه، ويحتمل في هذا الوجه أن يكون المعنى أنه يرزق من حيث لا يحتسب، أي: من حيث لا يظن أن يأتيه الرزق، والتقدير: يرزقه غير محتسب ذلك، أي: غير ظان له، فهو حال أيضا. ومثله في المعنى "ويرزقه من حيث لا يحتسب" وكون الباء تزاد في الحال ذكروا لذلك شرطا - على خلاف في جواز ذلك في الأصل - وهو أن تكون الحال منفية كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      920 - فما رجعت بخائبة ركاب حكيم بن المسيب منتهاها

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه الحال - كما رأيت - غير منفية فالمنع من الزيادة فيها أولى.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما وجه عدم الزيادة فهو أن تجعل الباء للحال والمصاحبة، وصلاحية وصف الأشياء الثلاثة - أعني الفعل والفاعل والمفعول - بقوله: "بغير [ ص: 374 ] حساب" باقية أيضا، كما تقدم في القول بزيادتها. والمراد بالمصدر المحاسبة أو العد والإحصاء أي: يرزق من يشاء ولا حساب على الرزق، أو ولا حساب للرازق، أو ولا حساب على المرزوق، وهذا أولى لما فيه من عدم الزيادة، التي الأصل عدمها ولما فيه من تبعية المصدر على حاله، غير واقع موقع اسم فاعل أو اسم مفعول، ولما فيه من عدم تقدير مضاف بعد "غير" أي: غير ذي حساب. فإذا هذا الجار والمجرور متعلق بمحذوف لوقوعه حالا من أي الثلاثة المتقدمة شئت كما تقدم تقريره، أي: ملتبسا بغير حساب.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية