الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (108) قوله تعالى: أم تريدون . . قد تقدم أن "أم" هذه يجوز أن تكون متصلة معادلة لقوله: "ألم تعلم"، وأن تكون منقطعة وهو الظاهر، فتقدر ببل والهمز، ويكون إضراب انتقال من قصة إلى قصة، قال أبو البقاء: "أم هنا منقطعة، إذ ليس في الكلام همزة تقع موقعها، ومع أم: أيهما، والهمزة من قوله: "ألم تعلم" ليست من أم في شيء، والمعنى: بل أتريدون" فخرج من كلام إلى كلام. وأصل تريدون: ترودون، لأنه من راد يرود، وقد تقدم، فنقلت حركة الواو على الراء فسكنت الواو بعد كسرة فقلبت ياء. وقيل "أم" للاستفهام، وهذه الجملة منقطعة عما قبلها. وقيل: هي بمعنى بل وحدها، وهذان قولان ضعيفان.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "أن تسألوا" ناصب ومنصوب في محل نصب مفعولا به بقوله "تريدون"، أي: أتريدون سؤال رسولكم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "كما سئل" متعلق بتسألوا، والكاف في محل نصب، وفيها التقديران المشهوران: فتقدير سيبويه أنها حال من ضمير المصدر المحذوف [ ص: 65 ] أي: أن تسألوه أي: السؤال حال كونه مشبها بسؤال قوم موسى له، وتقدير غيره - وهم جمهور النحويين - أنه نعت لمصدر محذوف، أي: إن تسألوا رسولكم سؤالا مشبها كذا. و "ما" مصدرية، أي: كسؤال موسى، وأجاز الحوفي كونها بمعنى الذي فلا بد من تقدير عائد، أي كالسؤال الذي سئله موسى. و "موسى" مفعول لم يسم فاعله، حذف الفاعل للعلم به، أي كما سأل قوم موسى.

                                                                                                                                                                                                                                      والمشهور: "سئل" بضم السين وكسر الهمزة، وقرأ الحسن: "سيل" بكسر السين وياء بعدها، من: سال يسال نحو خفت أخاف، وهل هذه الألف في "سال" أصلها الهمز أولا؟ تقدم خلاف في ذلك وسيأتي تحقيقه في "سأل"، وقرئ بتسهيل الهمزة بين بين.

                                                                                                                                                                                                                                      و "من قبل" متعلق بسئل، و "قبل" مبنية على الضم لأن المضاف إليه معرفة أي: من قبل سؤالكم. وهذا توكيد، وإلا فمعلوم أن سؤال موسى كان متقدما على سؤالهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "بالإيمان" فيه وجهان، أحدهما: أنها باء العوضية، وقد تقدم تحقيق ذلك. والثاني: أنها للسببية، قال أبو البقاء: "يجوز أن يكون مفعولا بيتبدل، وتكون الباء للسبب كقولك: اشتريت الثوب بدرهم" وفي مثاله هذا نظر.

                                                                                                                                                                                                                                      "فقد ضل سواء السبيل" قرئ بإدغام الدال في الضاد وإظهارها، و "سواء" [ ص: 66 ] قال أبو البقاء: "سواء السبيل ظرف بمعنى وسط السبيل وأعدله" وهذا صحيح فإن "سواء" جاء بمعنى "وسط"، قال تعالى: "في سواء الجحيم" ،وقال عيسى بن عمر: "ما زلت أكتب حتى انقطع سوائي" وقال حسان


                                                                                                                                                                                                                                      674 - يا ويح أصحاب النبي ورهطه بعد المغيب في سواء الملحد



                                                                                                                                                                                                                                      ومن مجيئه بمعنى العدل قول زهير:


                                                                                                                                                                                                                                      675 - أرونا خطة لا عيب فيها     يسوي بيننا فيها السواء



                                                                                                                                                                                                                                      والسبيل يذكر ويؤنث: "قل هذه سبيلي". والجملة من قوله: "فقد ضل" في محل جزم لأنها جزاء الشرط، والفاء واجبة هنا لعدم صلاحيته شرطا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية