الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (225) قوله تعالى: باللغو : متعلق بـ "يؤاخذكم". والباء معناها السببية كقوله تعالى: "فكلا أخذنا بذنبه"، "ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم".

                                                                                                                                                                                                                                      واللغو: مصدر لغا يلغو، يقال: لغا يلغو لغوا، مثل غزا يغزو غزوا، ولغي يلغى لغى مثل لقي يلقى لقى. ومن الثاني قوله تعالى: "والغوا فيه". واختلف في اللغو: فقيل: ما سبق به اللسان من غير قصد، قاله الفراء، ومنه قول الفرزدق:


                                                                                                                                                                                                                                      960 - ولست بمأخوذ بلغو تقوله إذا لم تعمد عاقدات العزائم

                                                                                                                                                                                                                                      ويحكى أن الحسن سئل عن اللغو وعن المسبية ذات زوج، فنهض الفرزدق وقال: "ألم تسمع ما قلت، وأنشد: ولست بمأخوذ، وقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      961 - وذات حليل أنكحتها رماحنا     حلال لمن يبني بها لم تطلق

                                                                                                                                                                                                                                      فقال الحسن: ما أذكاك لولا حنثك". وقد يطلق على كل كلام قبيح "لغو".

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 431 ] قال تعالى: "وإذا مروا باللغو"" لا يسمعون فيها لغوا" وقال:


                                                                                                                                                                                                                                      962 - ورب أسراب حجيج كظم     عن اللغا ورفث التكلم

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: ما يطرح من الكلام استغناء عنه، مأخوذ من قولهم لما لا يعتد به من أولاد الإبل في الدية "لغو" ومنه:


                                                                                                                                                                                                                                      963 - ... ... ... ...     كما ألغيت في الدية الحوارا



                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو ما لا يفهم، من قولهم: "لغا الطائر" أي:صوت، واللغو: ما لهج به الإنسان، واللغة مأخوذة من هذا. وقال الراغب: "ولغي بكذا: أي لهج به لهج العصفور بلغاه، ومنه قيل للكلام الذي تلهج به فرقة لغة، لجعلها مشتقة من لغي بكذا أي أولع به. وقال ابن عيسى: - وقد ذكر أن اللغة ما لا يفيد -: "ومنه اللغة لأنها عند غير أهلها لغو" وقد غلطوه في ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "في أيمانكم" فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن يتعلق بالفعل قبله. الثاني: أن يتعلق بنفس المصدر قبله كقولك: "لغا في يمينه". الثالث: أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من اللغو، وتعرفه من حيث المعنى أنك [ ص: 432 ] لو جعلته صلة لموصول ووصفت به اللغو لصح المعنى، أي: اللغو الذي في أيمانكم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ولكن يؤاخذكم" وقعت هنا "لكن" بين نقيضين باعتبار وجود اليمين، لأنها لا تخلو: إما أن لا يقصدها القلب بل جرت على اللسان وهي اللغو، وإما أن يقصدها وهي المنعقدة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله "بما كسبت" متعلق بالفعل قبله، والباء للسببية كما تقدم. و "ما" يجوز فيها ثلاثة أوجه، أظهرها: أنها مصدرية لتقابل المصدر وهو اللغو، أي: لا يؤاخذكم باللغو ولكن بالكسب. والثاني. أنها بمعنى الذي.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا بد من عائد محذوف أي: كسبته، ويرجح هذا أنها بمعنى الذي أكثر منها مصدرية. والثالث: أن تكون نكرة موصوفة والعائد أيضا محذوف وهو ضعيف، وفي هذا الكلام حذف تقديره: ولكن يؤاخذكم في أيمانكم بما كسبت قلوبكم، فحذف لدلالة ما قبله عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      والحليم من حلم - بالضم - يحلم إذا عفا مع قدرة، وأما حلم الأديم فبالكسر، وتثقب يحلم بالفتح أي: فسد وتثقب قال:


                                                                                                                                                                                                                                      964 - فإنك والكتاب إلى علي     كدابغة وقد حلم الأديم

                                                                                                                                                                                                                                      وأما "حلم" أي رأى في نومه فبالفتح، ومصدر الأول "الحلم" بالكسر قال الجعدي:


                                                                                                                                                                                                                                      965 - ولا خير في حلم إذا لم تكن له     بوادر تحمي صفوه أن يكدرا

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 433 ] ومصدر الثاني "الحلم" بفتح اللام، ومصدر الثالث، "الحلم" و "الحلم" بضم الحاء مع ضم اللام وسكونها.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية