الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 73 ] آ. (112) قوله تعالى: وهو محسن : جملة في موضع نصب على الحال والعامل فيها "أسلم"، وعبر بالوجه لأنه أشرف الأعضاء وفيه أكثر الحواس، ولذلك يقال: وجه الأمر أي معظمه قال الأعشى:


                                                                                                                                                                                                                                      679 - أؤول الحكم على وجهه ليس قضائي بالهوى الجائر



                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى أسلم: خضع، ومنه:


                                                                                                                                                                                                                                      680 - وأسلمت وجهي لمن أسلمت     له المزن تحمل عذبا زلالا



                                                                                                                                                                                                                                      وهذه الحال مؤكدة لأن من أسلم وجهه لله فهو محسن، وقال الزمخشري: "وهو محسن له في عمله" فتكون على رأيه مبينة، لأن من أسلم وجهه قسمان: محسن في عمله وغير محسن. قال الشيخ: "وهذا منه جنوح إلى الاعتزال" .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله "فله أجره" الفاء جواب الشرط إن قيل بأن "من" شرطية، أو زائدة في الخبر إن قيل بأنها موصولة، وقد تقدم تحقيق القولين عند قوله "بلى من كسب سيئة" وهذه نظير تلك فليلتفت إليها. وهنا وجه آخر زائد على ما في تلك ذكره الزمخشري وهو أن تكون "من" فاعلة بفعل محذوف أي: بلى يدخلها من أسلم، و "فله أجره" كلام معطوف على يدخلها. هذا نصه. و "له أجره" مبتدأ وخبره، إما في محل جزم أو رفع على حسب ما تقدم من الخلاف في "من" ، وحمل على لفظ "من" فأفرد الضمير في قوله: "فله أجره عند ربه" وعلى معناها فجمع في قوله: "عليهم ولا هم يحزنون"، وهذا أحسن [ ص: 74 ] التركيبين - أعني البداءة بالحمل على اللفظ ثم الحمل على المعنى. والعامل في "عند" ما تعلق به "له" من الاستقرار، ولما أحال أجره عليه أضاف الظرف إلى لفظة الرب لما فيها من الإشعار بالإصلاح والتدبير، ولم يضفه إلى الضمير ولا إلى الجلالة فيقول: فله أجره عنده أو عند الله، لما ذكرت لك، وقد تقدم الكلام في قوله تعالى: "ولا خوف" وما فيه من القراءات.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية