الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (226) قوله تعالى: للذين يؤلون من نسائهم تربص : هذه جملة من مبتدأ وخبر، وعلى رأي الأخفش من باب الفعل والفاعل لأنه لا يشترط الاعتماد. و "من نسائهم" في هذا الجار ثمانية أوجه، أحدها: أن يتعلق بيؤلون، قال الزمخشري: "فإن قلت: كيف عدي بمن وهو معدى بـ "على" ؟ قلت: قد ضمن في القسم المخصوص معنى البعد، فكأنه قيل: يبعدون من نسائهم مؤلين أو مقسمين". الثاني: أن "آلى" يتعدى بعلى وبمن، قاله أبو البقاء نقلا عن غيره أنه يقال: آلى من امرأته وعلى امرأته. والثالث: أن "من" قائمة مقام "على"، وهذا رأي الكوفيين. والرابع: أنها قائمة مقام "في"، ويكون ثم مضاف محذوف أي: على ترك وطء نسائهم أو في ترك وطء نسائهم. والخامس: أن "من" زائدة والتقدير: يؤلون أن يعتزلوا نساءهم. والسادس: أن تتعلق بمحذوف، والتقدير: والذين يؤلون لهم من نسائهم تربص أربعة، فتتعلق بما يتعلق به "لهم" المحذوف، هكذا قدره الشيخ وعزاه للزمخشري، وفيه نظر، فإن الزمخشري قال: "ويجوز أن يراد: لهم من نسائهم تربص، كقولك: "لي منك كذا" فقوله "لهم" لم يرد به أن ثم شيئا محذوفا وهو لفظ "لهم" إنما أراد أن يعلق "من" بالاستقرار الذي تعلق به "للذين" غاية ما فيه أنه أتى بضمير "الذين" تبيينا للمعنى. وإلى هذا المنحى نحا أبو البقاء فإنه قال: "وقيل: الأصل "على" ولا يجوز أن تقوم [ ص: 434 ] "من" مقام "على"، فعند ذلك تتعلق "من" بمعنى الاستقرار، يريد الاستقرار الذي تعلق به قوله "للذين"، وعلى تقدير تسليم أن لفظة "لهم" مقدرة وهي مرادة فحينئذ إنما تكون بدلا من "للذين" بإعادة العامل، وإلا يبق قوله "للذين يؤلون" مفلتا. وبالجملة فتعلقه بالاستقرار غير ظاهر. وأما تقدير الشيخ: "والذين يؤلون لهم من نسائهم تربص" فليس كذلك، لأن "الذين" لو جاء كذلك غير مجرور باللام سهل الأمر الذي ادعاه، ولكن إنما جاء كما تراه مجرورا باللام. ثم قال الشيخ: "وهذا كله ضعيف ينزه القرآن عنه، وإنما يتعلق بيؤلون على أحد وجهين: إما أن تكون "من" للسبب، أي يحلفون بسبب نسائهم، وإما أن يضمن معنى الامتناع، فيتعدى بـ "من"، فكأنه قيل: للذين يمتنعون من نسائهم بالإيلاء، فهذان وجهان مع الستة المتقدمة، فتكون ثمانية، وإن اعتبرت مطلق التضمين فتجيء سبعة.

                                                                                                                                                                                                                                      والإيلاء: الحلف، مصدر آلى يولي نحو: أكرم يكرم إكراما، والأصل: إإلاء، فأبدلت الهمزة الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها نحو: "إيمان".

                                                                                                                                                                                                                                      ويقال تألى وايتلى على افتعل، والأصل: اإتلى، فقلبت الثانية لما تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      والحلفة: يقال لها الألية والألوة والألوة والإلوة، وتجمع الألية على "ألايا" كعشية وعشايا، ويجوز أن تجمع الألوة أيضا على "ألايا" كركوبة وركائب. قال كثير عزة:


                                                                                                                                                                                                                                      966 - قليل الألايا حافظ ليمينه إذا صدرت منه الألية برت

                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم كيف تصريف ألية وألايا عند قوله: "نغفر لكم خطاياكم" جمع خطيئة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 435 ] والتربص: الانتظار، وهو مقلوب التصبر. قال:


                                                                                                                                                                                                                                      967 - تربص بها ريب المنون لعلها     تطلق يوما أو يموت حليلها

                                                                                                                                                                                                                                      وإضافة التربص إلى الأشهر فيها قولان، أحدهما: أنه من باب إضافة المصدر لمفعوله على الاتساع في الظرف حتى صار مفعولا به فأضيف إليه والحالة هذه. والثاني: أنه أضيف الحدث إلى الظرف من غير اتساع. فتكون الإضافة بمعنى "في" وهو مذهب كوفي، والفاعل محذوف تقديره: تربصهم أربعة أشهر.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "فاءوا" ألف "فاء" منقلبة عن ياء لقولهم: فاء يفيء فيئة: رجع. والفيء: الظل لرجوعه من بعد الزوال. وقال علقمة:


                                                                                                                                                                                                                                      968 - فقلت لها فيئي فما تستفزني     ذوات العيون والبنان المخضب

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية