الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 264 ] آ. (182 (قوله تعالى: فمن خاف : يجوز فيها الوجهان الجائزان في "من" قبلها. والفاء في "فلا إثم" هي جواب الشرط أو الداخلة في الخبر. و "من موص" يجوز فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن تكون متعلقة بخاف على أنها لابتداء الغاية. الثاني: أن تتعلق بمحذوف على أنها حال من "جنفا"، قدمت عليه، لأنها كانت في الأصل صفة له، فلما تقدمت نصبت حالا. ونظيره: "أخذت من زيد مالا" إن شئت علقت "من زيد" بـ "أخذت"، وإن شئت جعلته حالا من "مالا" لأنه صفته في الأصل، الثالث: أن تكون لبيان جنس الجانفين: وتتعلق أيضا بخاف. فعلى القولين الأولين لا يكون الجانف من الموصين بل غيرهم، وعلى الثالث يكون من الموصين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي: "موص" بتشديد الصاد والباقون بتخفيفها. وهما من أوصى ووصى، وقد تقدم أنهما لغتان، إلا أن حمزة والكسائي وأبا بكر هم من جملة الذين يقرؤون "ووصى بها إبراهيم" مضعفا، وأن نافعا وابن عامر يقرآن: "أوصى" بالهمزة، فلو لم تكن القراءة سنة متبعة لا تجوز بالرأي لكان قياس قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحفص هناك "ووصى" بالتضعيف أن يقرآ هنا "موص" بالتضعيف، وأما نافع وابن عامر فإنهما قرآ هنا "موص" مخففا على قياس قراءتهما هناك و "أوصى" على أفعل. وكذلك حمزة والكسائي وأبو بكر قرؤوا: "ووصى" هناك بالتضعيف فقرؤوا هنا "موص" بالتضعيف على القياس.

                                                                                                                                                                                                                                      والخوف هنا بمعنى الخشية وهو الأصل، وقيل: بمعنى العلم وهو مجاز، والعلاقة بينهما هو أن الإنسان لا يخاف شيئا حتى يعلم أنه مما يخاف منه فهو من باب التعبير عن السبب بالمسبب. ومن مجيء الخوف [ ص: 265 ] بمعنى العلم قوله تعالى: "إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله"، وقول أبي محجن الثقفي:


                                                                                                                                                                                                                                      830 - إذا مت فادفني إلى جنب كرمة تروي عظامي في الممات عروقها     ولا تدفنني في الفلاة فإنني
                                                                                                                                                                                                                                      أخاف إذا ما مت ألا أذوقها

                                                                                                                                                                                                                                      والجنف لأهل اللغة فيه قولان أحدهما: الميل، قال الأعشى:


                                                                                                                                                                                                                                      831 - تجانف عن حجر اليمامة ناقتي     وما قصدت من أهلها لسوائكا

                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخر:

                                                                                                                                                                                                                                      832 - هم المولى وإن جنفوا علينا     وإنا من لقائهم لزور

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو الجور. قال:

                                                                                                                                                                                                                                      833 - إني امرؤ منعت أرومة عامر     ضيمي وقد جنفت علي خصوم

                                                                                                                                                                                                                                      يقال: جنف بكسر النون يجنف بفتحها فهو جنف وجانف، وأجنف جاء بالجنف كألام جاء بما يلام عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 266 ] والضمير في "بينهم" عائد على الموصي والورثة، أو على الموصى لهم، أو على الورثة والموصى لهم. والظاهر عوده على الموصى لهم، إذ يدل على ذلك لفظ "الموصي". وهو نظير "وأداء إليه" [في] أن الضمير يعود للعافي لاستلزام "عفا" له، ومثله ما أنشد الفراء:

                                                                                                                                                                                                                                      834 - وما أدري إذا يممت أرضا     أريد الخير أيهما يليني

                                                                                                                                                                                                                                      فالضمير في "أيهما" يعود على الخير والشر، وإن لم يجر ذكر الشر لدلالة ضده عليه، والضمير في "عليه" وفي "خاف" وفي "أصلح" يعود على "من".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية