الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (134) قوله تعالى: تلك أمة : "تلك" مبتدأ، و "أمة" خبره، ويجوز أن تكون "أمة" بدلا من "تلك" و "قد خلت" خبر للمبتدإ. وأصل تلك: تي فلما جيء باللام للبعد حذفت الياء لالتقاء الساكنين، فإن قيل: لم لم تكسر اللام حتى لا تحذف الياء؟ فالجواب أنه يثقل اللفظ بوقوع الياء بين كسرتين. وزعم الكوفيون أن التاء وحدها هي الاسم، وليس ثم شيء [ ص: 134 ] محذوف. وقوله "قد خلت" جملة فعلية في محل رفع صفة لـ "أمة"، إن قيل إنها خبر "تلك"، أو خبر "تلك" إن قيل إن "أمة" بدل من "تلك"، كما تقدم، و "خلت" أي: صارت إلى الخلاء وهي الأرض التي لا أنيس بها، والمراد به ماتت، والمشار إليه هو إبراهيم ويعقوب وأبناؤهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "لها ما كسبت" في هذه الجملة ثلاثة أوجه، أحدها: أن تكون صفة لأمة أيضا، فيكون محلها رفعا. والثاني: أن تكون حالا من الضمير في "خلت" فمحلها نصب، أي: خلت ثابتا لها كسبها. الثالث: أن تكون استئنافا فلا محل لها. وفي "ما" من قوله: "ما كسبت" ثلاثة أوجه، أظهرها: أنها بمعنى الذي. والثاني: أنها نكرة موصوفة، والعائد على كلا القولين محذوف أي: كسبته، إلا أن الجملة لا محل لها على الأول. والثالث: أن تكون مصدرية فلا تحتاج إلى عائد على المشهور، ويكون المصدر واقعا موقع المفعول أي: له مكسوبها أو يكون ثم مضاف أي: لها جزاء كسبها.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ولكم ما كسبتم" إن قيل: إن قوله "لها ما كسبت" مستأنف كانت هذه الجملة عطفا عليه، وإن قيل إنه صفة أو حال فلا، أما الصفة فلعدم الرابط فيها، وأما الحال فلاختلاف زمان استقرار كسبها لها وزمان استقرار كسب المخاطبين، وعطف الحال على الحال يوجب اتحاد الزمان و "ما" من قوله "ما كسبتم" كـ "ما" المتقدمة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ولا تسألون" هذه الجملة استئناف ليس إلا، ومعناها التوكيد لما قبلها، لأنه لما تقدم أن أحدا لا ينفعه كسب أحد بل هو مختص به إن خيرا وإن شرا فلذلك لا يسأل أحد عن غيره، وذلك أن اليهود افتخروا بأسلافهم فأخبروا بذلك. و "ما" يجوز فيها الأوجه الثلاثة من كونها موصولة اسمية [ ص: 135 ] أو حرفية أو نكرة، وفي الكلام حذف أي: ولا يسألون عما كنتم تعملون. قال أبو البقاء: "ودل عليه: لها ما كسبت ولكم ما كسبتم انتهى". ولو جعل الدال قوله "ولا تسألون عما كانوا يعملون" كان أولى لأنه مقابلة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية