الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (137) قوله تعالى: بمثل ما آمنتم به : في الباء أقوال، أحدها: أنها زائدة كهي في قوله "ولا تلقوا بأيديكم" وقوله: "وهزي إليك بجذع" وقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      747 -. . . . . . . سود المحاجر لا يقرأن بالسور



                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها بمعنى "على، أي: فإن آمنوا على مثل إيمانكم بالله". والثالث: أنها للاستعانة كهي في "نجرت بالقدوم" و "كتبت بالقلم" والمعنى: فإن دخلوا في الإيمان بشهادة مثل شهادتكم، وعلى هذه الأوجه فيكون المؤمن به محذوفا، و "ما" مصدرية والضمير في "به" عائدا على الله تعالى، والتقدير: فإن آمنوا بالله إيمانا مثل إيمانكم به، و "مثل" هنا فيها قولان، أحدهما: أنها زائدة والتقدير: بما آمنتم به، وهي قراءة عبد الله بن مسعود وابن [ ص: 141 ] عباس، وذكر البيهقي عن ابن عباس: "لا تقولوا بمثل ما آمنتم [به] فإن الله ليس له مثل ولكن قولوا بالذين آمنتم به" وهذه تروى قراءة [عن] أبي، ونظيرها في الزيادة قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      748 - فصيروا مثل كعصف مأكول      ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعضهم: هذا من مجاز الكلام تقول: هذا أمر لا يفعله مثلك، أي لا تفعله أنت، والمعنى: فإن آمنوا بالذي آمنتم به، نقله ابن عطية، وهو يؤول إلى إلغاء "مثل" وزيادتها، والثاني: أنها ليست بزائدة، والمثلية متعلقة بالاعتقاد، أي: فإن اعتقدوا بمثل اعتقادكم، أو متعلقة بالكتاب أي: فإن آمنوا بكتاب مثل الكتاب الذي آمنتم به، والمعنى: فإن آمنوا بالقرآن الذي هو مصدق لما في التوراة والإنجيل، وهذا التأويل ينفي زيادة الباء.

                                                                                                                                                                                                                                      و "ما" قوله: "بمثل ما آمنتم" فيها وجهان، أحدهما: أنها بمعنى الذي والمراد بها حينئذ: إما الله تعالى بالتأويل المتقدم عند من يجيز وقوع "ما" على أولي العلم نحو: "والسماء وما بناها" وإما الكتاب المنزل. والثاني: أنها مصدرية وقد تقدم ذلك. والضمير في "به" فيه أيضا وجهان، أحدهما: أنه يعود على الله تعالى كما تقدم. والثاني: أن يعود على "ما" إذا قيل: إنها بمعنى الذي.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "فقد اهتدوا" جواب الشرط في قوله: "فإن آمنوا"، وليس الجواب محذوفا، كهو في قوله: "وإن يكذبوك فقد كذبت رسل" لأن تكذيب الرسل [ ص: 142 ] ماض محقق هناك فاحتجنا إلى تقدير جواب، وأما هنا فالهداية منهم لم تقع بعد فهي مستقبلة معنى وإن أبرزت في لفظ المضي.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "في شقاق" خبر لقوله: "هم" وجعل الشقاق ظرفا لهم وهم مظروفون له مبالغة في الإخبار باستعلائه عليهم، وهو أبلغ من قولك هم مشاقون، ومثله: "إنا لنراك في سفاهة" ونحوه. والشقاق مصدر من شاقه يشاقه نحو: ضاربه ضرابا، ومعناه المخالفة والمعاداة، وفي اشتقاقه ثلاثة أقوال، أحدها: أنه من الشق وهو الجانب. وذلك أن أحد المشاقين يصير في شق صاحبه أي: جانبه، قال امرؤ القيس:


                                                                                                                                                                                                                                      749 - إذا ما بكى من خلفها انصرفت له     بشق وشق عندنا لم يحول



                                                                                                                                                                                                                                      أي: بجانب. الثاني: أنه من المشقة فإن كلا منهما يحرص على ما يشق على صاحبه. الثالث: أنه من قولهم: "شققت العصا بيني وبينك" وكانوا يفعلون ذلك عند تعاديهم، والفاء في قوله: "فسيكفيكهم" تشعر بتعقيب الكفاية عقب شقاقهم. وجيء بالسين دون سوف لأنها أقرب منها زمانا بوضعها، ولا بد من حذف مضاف أي: فسيكفيك شقاقهم; لأن الذوات لا تكفى إنما تكفى أفعالها، والمكفي به هنا محذوف أي: بمن يهديه الله أو بتفريق كلمتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية