الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال:


      كقوله ءامنتم ءاباءكم وأءله خاسئين جاءكم


      رءيا أءلقي وفي ءاباءيا     تئوي مئاب وكذا دعاءيا


      مستهزءون السيئات ملجئا     مئارب نئا رءا تبوءا

      ذكر في هذه الأبيات الثلاثة ثماني عشرة كلمة مثل بها لما يؤدي تصوير الهمزة فيه إلى اجتماع صورتين متماثلتين، والهمزة في بعض تلك الكلمات من الفصل الأول من فصول باب الهمز الأربعة، وفي بعضها من الفصل الثاني منه، وفي بعضها من الفصل الثالث، وفي بعضها من الفصل الرابع.

      فمن الفصل الأول وهو فصل المبتدأة الهمزة الأولى من: آمنتم . و: آباؤكم ، و: آبائي ، ومنه أيضا الهمزة الأولى، وهي همزة الاستفهام من: أإله . و: "أألقي".

      [ ص: 178 ] وكذا الثانية منهما; لأن قياسها أن تصور ألفا؛ إذ هي مبتدأة وما يزاد قبل لا يعتبر، وظاهر تمثيل الناظم ب: آمنتم . أن مراده نحو قوله تعالى: إن كنتم آمنتم بالله ، أثم إذا ما وقع آمنتم به مما اجتمع فيه همزتان فقط أبدلت ثانيتهما ألفا، ولا يمتنع أن يندرج فيه: آمنتم : "بالأعراف"، و: "طه"، و: "الشعراء" المجتمع فيه ثلاث همزات; لأنه من المنوع بزيادة همزة الاستفهام على ما تقرر في اصطلاح الناظم، ولو رسمت همزاته الثلاث على القياس لأدى رسمها إلى اجتماع ثلاث صور متماثلة، وبيان اجتماع الهمزات الثلاث في: آمنتم في السور الثلاث، أن أصله قبل الاستفهام "أأمنتم" بهمزتين مفتوحة فساكنة، فالمفتوحة زائدة والساكنة فاء الكلمة، فأبدلت الساكنة ألفا على ما تقرر في نحو: آدم . ثم دخلت همزة الاستفهام فاجتمع همزتان في اللفظ.

      - الأولى للاستفهام.

      - والثانية هي الزائدة.

      - وأما الثالثة فهي فاء الكلمة المبدلة ألفا، وهكذا يقال في: آلهتنا ، ب: "الزخرف"، وهذا النوع أعني ما اجتمع فيه ثلاث همزات يؤدي قياسها إلى اجتماع ثلاث صور داخل في عموم قول الناظم: "وما يؤدي لاجتماع الصورتين" البيت.

      بالتدريج وهو أن ينظر في الوسطى مع إحدى طرفيها فتحذف إحداهما، ثم ينظر في الباقية مع الطرف الآخر فتحذف أيضا إحداهما، ولا تبقى الصورة وهي هنا الألف، إلا لهمزة واحدة كما اتفقت عليه المصاحف، واختار أبو عمرو في المحكم أنها صورة الهمزة الوسطى وبه العمل.

      ومن الفصل الثاني الهمزة التي بعد الألف وقبل الكاف من: آباءكم . و: جاءكم . وبعد الألف وقبل الياء من: آبائي و: دعائي .

      ومن الفصل الثالث وهو فصل الساكنة الهمزة الثانية المبدلة ألفا من: آمنتم . و: آباءكم . و: آبائي ، إذ أصل الألف في الثلاثة همزة، ففي الأول فاء: "أفعل". وفي الأخيرين فاء: "أفعال". بفتح الهمزة; لأنهما جمع أب، ثم أبدلت الهمزة ألفا لوقوعها ساكنة بعد مثلها.

      ومن الفصل الثالث أيضا: ورئيا بكسر الراء على قراءته بالهمز: "وتئوي".

      ومن الفصل الرابع أعني النوع الأول منه وهو قوله: "وإن من بعد ضمة" البيت: السيئات ، ومن النوع الثاني منه وهو قوله: "وكيفما حركت" البيت، مستهزئون . و: خاسئين . و: مآب . [ ص: 179 ] و: ملجأ . و: مآرب . و: ونأى . و: رأى . و: "تبوءا".

      "واعلم" أن بعض هذه الأمثلة التي ذكرها الناظم في هذه الأبيات مكرر مع ما هو نظير له، وكأن وجه تكراره زيادة الإيضاح لصعوبة باب الهمز، وخصوصا تلك القاعدة الممثل لها بهذه الأمثلة، فاحتيج إلى زيادة الإيضاح بتكرار الأمثلة لتزداد تلك القاعدة تطبيقا، فيزداد اتضاحها، والله أعلم.

      التالي السابق


      الخدمات العلمية