الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال:


      فصل وربما وممن فيم ثم أما نعما عم صل ويبنؤم


      كالوهم أو وزنوهم مما     خلق مع كأنما ومهما

      هذا هو الفصل الخامس من فصول هذا الباب، وهو خاتمته، وقد تعرض فيه لاثني عشر نوعا من الموصول، فأمر بوصلها كلها :

      - النوع الأول: "ربما" وهو مركب من كلمتين "رب" و: "ما"، وقد وقع في سورة "الحجر": ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين . وذكره أبو عمرو بالوصل عن جميع المصاحف.

      - النوع الثاني: "ممن"، وهو مركب من كلمة: "من" الجارة و: "من" بفتح الميم؛ وقد وقع متعددا نحو: ممن منع مساجد الله ، ممن افترى . وقد ذكر في "المقنع" أنه لا خلاف في شيء من المصاحف في وصله.

      - النوع الثالث: "فيم"، وهو مركب من "في" الجارة و: "ما" الاستفهامية، وقد وقع في "النساء": قالوا فيم كنتم ، وفي "النازعات": فيم أنت من ذكراها .

      "واعلم" أن "ما" الاستفهامية إذا جرت يحذف ألفها لفظا ورسما فرقا بين الاستفهام والخبر، ويوقف عليها بإسكان الميم على الرسم عند غالب القراء.

      - النوع الرابع: "أما" بفتح الهمزة وتشديد الميم، وهو مركب من "أم" و: "ما" وقد وقع في "الأنعام": أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ، موضعان، وفي "النمل": "أما تشركون"، "أماذا كنتم تعملون"، ولا يخفى أنه لا مدخل هنا لنحو: فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر .

      - النوع الخامس: "نعما"، وهو مركب من "نعم" و: "ما"، وقد وقع في "البقرة": فنعما هي وفي "النساء": نعما يعظكم به .

      - النوع السادس: "عم"، وهو مركب من "عن" الجارة، و: "ما" الاستفهامية وقد وقع في أول سورة "النبأ": عم يتساءلون .

      - النوع السابع: "يبنؤم" وهو مركب من "يا" التي هي حرف نداء ومن "ابن" و: "أم"، وقد وقع في "طه"، " يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي "، واحترز بقيد "يا" عن الخالي عنها، وهو في "الأعراف"، وقد تقدم قطعه، فإن قلت: ما المراد بالوصل في "يبنؤم" هل وصل [ ص: 233 ] الياء بالباء، أو وصل النون بصورة الهمزة؟ فالجواب ما قاله بعضهم: إن ذكر الناظم "يبنؤم"، هنا لإفادة اتصال الياء بالباء، وحذف همزة الوصل لا لإفادة اتصال النون بصورة الهمزة لتقدمه في باب الهمز، ودليله عدم ذكره هنا "ليومئذ"، و: "حينئذ" حيث تقدما هناك. اه.

      وهو كلام ظاهر لا غبار عليه، وما ذكر من حذف همزة الوصل من "ابن" في "يبنؤم" هو صريح كلام أبي داود في "التنزيل"، ويستفاد من "المقنع" ونص عليه اللبيب، وبه العمل خلافا لمن قال بإثباتها رسما.

      وأما حذف ألف "يا" من "يبنؤم" في الرسم فيؤخذ من قول الناظم في حذف الألفات "وما أتى تنبيها أو نداء" البيت.

      - النوع الثامن والتاسع: "كالوهم" و: "وزنوهم" وقد وقعا في سورة "المطففين": وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ، وقد حكى في "التنزيل" إجماع المصاحف على وصل هذين النوعين، ومعنى الوصل فيهما ترك رسم الألف الدالة على الانفصال بعد الواو لكون الضميرين متصلين منصوبين بالفعلين على الصحيح، خلافا لمن جعلهما منفصلين لتوكيد الضميرين المرفوعين بالفاعلية، ولرفع احتمال انفصال الضميرين المقتضي لرسم الألف بعد الواو نص الناظم كغيره على الوصل في هذين النوعين، وإنما لم ينص كغيره على الاتصال فيما شابههما نحو: فهزموهم ، و: "اقتلوهم" و: "لا تقتلوهم". لعدم احتمال انفصال الضمير في ذلك؛ إذ لم يقل أحد بانفصال الضمير في نحو: فهزموهم .

      - النوع العاشر: "مم"، وهو مركب من كلمة: "من" الجارة، و: "ما" الاستفهامية؛ وقد وقع في سورة "الطارق": فلينظر الإنسان مم خلق لا غير، فذكر الناظم "خلق" مع "مم" لبيان الواقع لا للاحتراز.

      - النوع الحادي عشر: كأنما؛ وهو مركب من "كأن" بتشديد النون و: "ما" وهو موصول حيثما وقع في القرآن نحو: كأنما يصعد في السماء ، كأنما يساقون ، فكأنما خر .

      - النوع الثاني عشر: "مهما" وقد وقع في "الأعراف": وقالوا مهما تأتنا به من آية ، وقد حكى في "المقنع"، وصله في جميع المصاحف، وللنحويين فيه ثلاثة أقوال:

      1 - أحدها: أنه اسم شرط بسيط غير مركب، واختاره ابن هشام في مغنيه.

      2 - ثانيها أنه مركب من "مه" و: "ما" الشرطية.

      3 - ثالثها: أنه مركب من "ما" الشرطية، وما [ ص: 234 ] المزيدة ولكن أبدلت الألف الأولى هاء دفعا للتكرار.

      فعلى القول الأول يكون التنبيه على وصلها لرفع احتمال التركيب لا لكون وصلها على خلاف الأصل، وعلى القول الثاني والثالث يكون الأصل فيها القطع، ولكنها وصلت كغالب ألفاظ هذا الباب.

      التالي السابق


      الخدمات العلمية