الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال:


      وكل ما من همزتين وردا في كلمة بصورة قد أفردا


      فقيل: صورة للأولى منهما     وقيل: بل هي إلى ثانيهما

      يعني أنه إذا اجتمع همزتان في كلمة وليس فيها إلا صورة واحدة فقد اختلف: هل تلك الصورة للهمزة الأولى أو للهمزة الثانية، ودخل في عموم كلامه الهمزتان المفتوحتان نحو: أأسجد ، و: آلله ، والمفتوحة فالمضمومة نحو: "أأنزل"، والمفتوحة فالمكسورة نحو "أإله" [ ص: 282 ] والمفتوحة فالساكنة نحو: "ءامن" ودخل فيه أيضا ما اجتمع فيه ثلاث همزات نحو: أآلهتنا الواقع في "الزخرف"، فإنك إذا قطعت النظر عن الثالثة كان الأوليان داخلتين في قسم المفتوحتين وإن قطعت النظر عن الأولى كان الأخريان داخلتين في قسم المفتوحة فالساكنة، وقوله: "فقيل صورة للأولى منهما"، هو مذهب الفراء، وعلل بتصدرها وبأنها جيء بها لمعنى في الأكثر، وقوله: "وقيل: بل هي إلى ثانيهما" هو مذهب الكسائي، وعلل بأن الأولى زائدة دائما؛ فهي أولى بحذف صورتها، وأخذ النقاط بالقولين على ما سيتبين مما بعد، واحترز بقوله: "بصورة قد أفردا" مما فيه صورتان وذلك: أأنبئكم وباب: أإفكا فإن حكمها مخالف لحكم هذا الفصل، وقد ذكر المتقدمون فيهما وجهين على قراءة من سهل الهمزة الثانية: الوجه الأول: جعل دارة على الواو وجعل نقطة أمام الواو ونقطة تحت الياء واستحسن هذا الوجه الداني ووجهه على التحقيق أن النقطة علامة الهمزة المسهلة، والدارة لتوهم زيادة الواو والياء; لأن قائل ذلك يرى أن هذا الموضع ليس بمحل للواو والياء وإنما هو محل للألف، لكنها لم تجعل لئلا يجتمع صورتان فصارت الواو والياء عنده كأنهما زائدتان فجعلت عليهما الدارة، الوجه الثاني: تعرية الواو والياء من النقطة والدارة، واستحسنه أبو داود، ووجهه أن الأداء إنما يؤخذ من الشيوخ مشافهة، فالتعرية توجب السؤال.

      وزاد بعض العلماء وجها ثالثا فيهما، وهو الاكتفاء بالنقطة عن الدارة، وهذا الوجه الثالث هو الذي يقتضيه قول الناظم فيما تقدم: "وذا الذي ذكرت في المسهل" إلخ، كما نبهنا عليه هناك غير أن الناظم يجعل النقطة المكتفى بها علامة التسهيل. ومن يقول بالوجه الثالث يجعل النقطة علامة الحركة، والوجه الذي اقتضاه كلام الناظم فيما تقدم هو الذي يعطيه القياس، وبه جرى العمل عندنا في باب: أإفكا كما قدمناه في شرح قول الناظم: "وذا الذي ذكرت في المسهل" إلخ. وأما: أأنبئكم ، فالعمل عندنا بتونس في ضبطه على الوجه الأول الذي استحسنه الداني، وهو جعل دارة على الواو، وجعل نقطة أمام الواو، وعمل في [ ص: 283 ] بعض البلاد بجعل نقطة فوق الواو.

      فإن قلت: لم أعرض الناظم عن ذكر الدارة مع أن الواو في: أأنبئكم والياء في باب: أإفكا كلاهما كالزائد كما تقدم في توجيه الوجه الأول؟ "فالجواب": أن الناظم لما قدم في الرسم أن الواو والياء في ذلك كتبتا على مراد الوصل لا على أنهما زائدتان، أعرض عن ذكر الدارة، واقتصر على اندراج ذلك في عموم التسهيل بين بين الذي يكتفى فيه بالنقط، وذلك منه حسن جدا رحمه الله، وقوله: "قد أفردا" حال من فاعل: "ورد" ومعنى أفرد خص، وقوله: "صورة" خبر لمبتدأ محذوف أي: هي، وقوله: "هي" مبتدأ خبره محذوف أي: صورة، و: "إلى" في قوله "إلى ثانيهما" بمعنى اللام، ثم قال:


      وذا الأخير اختير في المتفقين     وأول الوجهين في المختلفين

      يعني أن النقاط أخذوا بالمذهبين المتقدمين، واختاروا كلا منهما في نوع من الهمزتين، فالمذهب الأخير الذي هو مذهب الكسائي، وهو ما دل عليه قوله المتقدم: "وقيل: بل هي إلى ثانيهما" اختاروه في نوع الهمزتين المتفقتين، ومراده بالمتفقتين هنا المتفقتان في الصورة لو صورت الهمزتان معا، فيدخل في ذلك ما كانت همزتاه مفتوحتين نحو: أأنذرتهم ، و: آلله ، وما كانت الثانية فيه ساكنة نحو: آمن ، ولو حملنا كلامه على المتفقتين في الحركة للزم خروج القسم الثاني من هذا النوع، ودخوله في النوع الثاني، وذلك مخالف لما عند النقاط، والمذهب الأول الذي هو مذهب الفراء، وهو ما دل عليه قوله المتقدم: "فقيل: صورة للأولى منهما" اختاروه في نوع الهمزتين المختلفتين، ومراده أيضا بالمختلفتين هنا المختلفتان في الصورة لو صورت الهمزتان معا، فيخرج منه حينئذ ما كانت فيه الثانية ساكنة، ويدخل فيه باب: أإله وباب: "أأنزل" مما لم يصور فيه إلا إحدى الهمزتين، وقوله: و: "أول الوجهين" مبتدأ خبره محذوف تقديره: "اختير" دل عليه "اختير" الأول، ومراده بالوجهين المذهبان المتقدمان، ثم قال:


      ففي اتفاق تجعل المبينه     من قبلها وفوقها الملينه

      ذكر في هذا البيت وما بعده النقط المسبب على الاختيار الذي قدمه، فأشار في [ ص: 284 ] هذا البيت إلى أنك إذا بنيت على مذهب الكسائي -الذي هو المختار عند النقاط- في نوع الهمزتين المتفقتين نحو: أأنت ، آلله ، فكيفية النقط فيه أن تجعل الهمزة المحققة - وهي التي عبر عنها بالمبينة- نقطة صفراء قبل الصورة التي هي الألف، وتجعل على الألف علامة الهمزة المسهلة بين بين التي عبر عنها بالملينة نقطة حمراء.

      فإن قلت: أطلق الناظم في هذا النقط، فظاهر كلامه أنه يجري على قراءة التسهيل بين بين، وعلى قراءة البدل حرف مد، وليس كذلك عند أهل النقط، بل هو عندهم خاص بقراءة التسهيل بين بين، فالجواب: إنما فعل ذلك اتكالا على ما تقدم له من أن علامة التسهيل إنما تجعل للمسهل بين بين، أو بالبدل حرفا محركا دون ما أبدل حرف مد، ولذلك لا يرد عليه ما كانت الثانية فيه ساكنة من هذا القسم نحو: آمن ، فكأنه يقول: اجعل الأولى من المتفقتين -وهي المحققة التي عبر عنها بالمبينة- نقطة صفراء قبل الألف، واجعل الثانية إن كانت مسهلة بين بين وهو مراده بالملينة نقطة حمراء على الألف، فلا يدخل في كلامه المبدلة حرف مد ساكنة كانت أو متحركة، وفي قوله: "المبينة" إشعار بأن هذا الحكم خاص بما إذا كانت محققة، وأما لو خففت بالنقل نحو: رحيم ، أأشفقتم ، فلا تجعل الصفراء؛ وهو كذلك; لأن الذي يجعل حينئذ في موضعها إنما هو جرة كما سيقوله بعد هذا.

      "تنبيه": اقتصر الناظم وغيره على بيان نقط هذا النوع على قراءة التسهيل، ولم يتكلموا على نقطه على قراءة البدل حرف مد; لأن المبدل حرف مد لا تجعل عليه علامة حسبما دل عليه كلامه أول الباب، والضمير في قوله: "من قبلها" وقوله: "فوقها" يعود على الصورة،

      التالي السابق


      الخدمات العلمية