الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال:


      وما به شبه كاليتامى إحدى وأنثى وكذا الأيامى

      لما فرغ من القسم الأول من أقسام الألفات المرسومة في المصاحف ياء، وهو الألف المنقلب عن الياء شرع في القسم الثاني منها؛ وهو ألف التأنيث المشبهة بالقسم الأول المنقلب عن الياء فقال: "وما به شبه"، أي: والألف الذي شبه بالألف المنقلب عن الياء، وهو ألف التأنيث يكون مثله في رسمه بالياء لجريانه مجراه في الانقلاب ياء في التثنية والجمع بالألف والتاء نحو: "الأخريان" و: "الأخريات"، وألف التأنيث توجد في خمسة أوزان هي: فعالى بفتح الفاء، وفعالى بضمها، وفعلى مثلث الفاء؛ وقد مثل الناظم لثلاثة أوزان منها بأربعة أمثلة وهي: "يتامى"، "وأيامى" و: "إحدى"، و: "أنثى"، وتمثيله لألف التأنيث "بأيامى" جرى فيه على مذهب الكوفيين، وقد قيل: إن الألف فيه وفيما كان على وزنه: ك: خطايانا ، و: هديا ليست للتأنيث، وإنما هي منقلبة عن ياء وعلى هذا فلا يصح التمثيل به: ومثاله فعالى بضم الفاء: كسالى ، و: سكارى ، ومثال فعلى بفتح الفاء: "دعوى"، و: "مرضى" واختلف في: "موسى"، و: "عيسى" [ ص: 200 ] و: "يحيى"، فقيل هي من باب فعلى مثلث الفاء، وقيل: ليست منه; لأنها أعجمية، وإنما يوزن العربي.

      "تنبيه":

      لم يتعرض الناظم لحذف الألف التي قبل ميم: الأيامى ، وقد نص أبو داود على حذفها وبه العمل عندنا، و: "ما" من قوله: و: "ما به شبه" موصول اسمي مبتدأ، وخبره محذوف تقديره: كذلك، أي: كالألف المنقلب عن الياء.

      ثم قال:


      إلا حروفا سبعة وأصلا     مطردا قد باينت ذا الفصلا


      فالأحرف السبعة منها الأقصا     ومثله في الموضعين أقصا


      ومن تولاه عصاني ثما     سيماهم في الفتح مع طغا الما

      لما قدم أن الألف المنقلب عن الياء وما شبه به؛ وهو ألف التأنيث، يرسمان بالياء شرع يذكر ما خرج عن ذلك فرسم في المصاحف بالألف على اللفظ، وهو المصرح به في الترجمة؛ فأخبر مع إطلاق الحكم الذي يشير به إلى اتفاق شيوخ النقل بأنه يستثنى من ذلك حروف؛ أي: كلمات سبع، وأصل مطرد، أي: ضابط جار في جميع القرآن، وفي جميع المصاحف، وقوله: "قد باينت ذا الفصل"، أي: خالفته في الحكم، ومراده بالفصل ما تقدم من القسمين اللذين يرسم فيهما الألف ياء، فالأصل المطرد سيذكر بعد، والكلمات السبع رسمت بالألف هي التي ذكرها في البيت الثاني والثالث وهي: "الأقصا"، و: "أقصا" في موضعين، و: من تولاه ، و: عصاني ، و: سيماهم ، في الفتح، و: "طغا الماء"، والألف في: سيماهم ألف التأنيث، وفيما عداها منقلبة عن ياء.

      أما "الأقصا" ففي "الإسراء": "إلى المسجد الأقصا".

      وأما "أقصا" في الموضعين ففي "القصص": " وجاء رجل من أقصا المدينة يسعى ".

      وفي "يس": " وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى ".

      وأما من تولاه ففي "الحج": كتب عليه أنه من تولاه .

      واحترز بقيد مجاورة الضمير عن غير المجاور به نحو: فأعرض عن من تولى ، فإنه مرسوم بالياء.

      وأما "عصاني" ففي "إبراهيم": ومن عصاني فإنك غفور رحيم ، ولا يخفى أنه لا يندرج فيه: عصاه ، ولا هي عصاي .

      وأما "سيماهم" في "الفتح" فهو: سيماهم في وجوههم ، واحترز بقيد السورة عن الواقع في غيرها، وسيأتي فيه تفصيل.

      وأما "طغا الماء"، ففي "الحاقة": "إنا لما طغا الماء"، واحترز [ ص: 201 ] بقيد المجاور للماء عن غيره نحو: اذهب إلى فرعون إنه طغى ، فإنه مرسوم بالياء.

      "تنبيه":

      لم يستثن الناظم هنا كغيره: "مرضات" مع الكلمات السبع، وقد رسم بالألف قبل التاء حيث وقع وكيف وقع مع أن قياس ألفه أن ترسم ياء; لأنها وإن كان أصلها واوا متحركة فقلبت ألفا لانفتاح ما قبلها إلا أنها صارت إلى الياء بسبب زيادة الميم في أوله، وقد عده الشيخان في جملة ذوات الواو التي تكتب بالألف، وهو صحيح بالنظر إلى الأصل الأول فيه، ولكن لما صارت واوه إلى الياء كما تقدم كان حقه أن يرسم بها، فحين رسم بالألف احتيج إلى استثنائه كالكلمات السبع خلافا لما قاله الشيخان أنه كتب بالألف قياسا على نظائره من ذوات الواو، وقول الناظم: "منها الأقصا" يوهم التبعيض، وعدم الاستيفاء، ولكن استكمال عدد الكلمات المعدودة أولا يرفع ذلك الإيهام.

      ثم قال:


      وزد على وجه تراءا ونئا     وما سوى الحرفين من لفظ رءا


      إذ رسمت بألف والأصل     لدى الثلاث الياء إن ما تبلو

      لما ذكر الكلمات السبع المستثناة مما تقدم أمر في البيت الأول مع إطلاق الحكم الذي يشير به إلى اتفاق شيوخ النقل بأن يزاد عليها على وجه، أي: احتمال من احتمالين: "تراءا" و: "ونئا"، وما سوى الحرفين، أي: الكلمتين المتقدمتين في باب الهمز من لفظ: "رءا".

      أما تراءا، ففي "الشعراء": "فلما تراءا الجمعان"، وقد تقدم في آخر ترجمة: "ما من مريم لصاد" أن في: "تراءا"، ألفين، أولاهما ألف تفاعل؛ وهي التي قبل الهمزة، وثانيتهما الواقعة بعد الهمزة وهي لام الكلمة ومبدلة من ياء، وأن أصله: "تراءى" على وزن تفاعل كتخاصم، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، وتقدم أنه لم يرسم في جميع المصاحف إلا بألف واحدة، فيحتمل أن تكون الأولى وهي ألف تفاعل، ويحتمل أن تكون لام الكلمة وهي المبدلة من الياء.

      وأما "نئا" ففي "الإسراء"، و: "فصلت": "أعرض ونئا بجانبه".

      وأما "رءا" غير كلمتي سورة "النجم"، فنحو: "رءا كوكبا"، وهو متعدد في اثنين وعشرين موضعا كما قال في "التنزيل" وأصلهما: "نأى" و: "رأى"، بوزن فعل [ ص: 202 ] المفتوح العين، فأبدلت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وقد رسما في المصاحف بألف واحدة فيحتمل أن تكون هي صورة الهمزة فيهما، ويحتمل أن تكون لام الفعل المبدلة من الياء؛ فعلى الاحتمال الثاني في الكلمات الثلاث، وهو المراد بقول الناظم: على وجه تزاد الكلمات الثلاث على الكلمات السبع المتقدمة لما أشار إليه بقوله: "إذ رسمت بألف" البيت؛ أي: لأن تلك الكلمات الثلاث رسمت بألف، وأصلها حينئذ الياء، ويظهر ذلك إن ابتليتها، أي اختبرتها؛ بأن قلت: "تراءينا"، و: "نأيت"، و: "رأيت".

      وأما على الاحتمال الأول فيها فلا تكون من القسم المستثنى الذي رسم بألف بل تكون مما حذف منه البدل والمبدل منه، أي: الياء والألف جميعا؛ قال الشيخان: كراهية لاجتماع ألفين، اه.

      وهذا بناء منهما على تقدير كتبه ألفا، وإنما لم يجعلاه من باب ما حذفت الياء منه اختصارا: ك: عقباها ، ونظائره; لأن ما كتب من هذا الباب بألف أكثر مما حذف منه البدل والمبدل منه جميعا. هذا وقد تقدم أن المختار في: "تراءا" حذف الألف الأولى، وإثبات الألف الثانية.

      وأما "نئا"، و: "رءا" غير كلمتي سورة "النجم"، فرجح في "المقنع" أن المحذوفة الثانية، ورجح في المحكم عكسه، وعلى العكس اقتصر في "التنزيل"، وبه العمل عندنا.

      "تنبيه":

      لا معارضة بين تجويز الناظم هنا أن تكون ألف: "نئا"، و: "رءا" لام الكلمة وأن تكون صورة الهمزة، وبين جزمه آخر باب الهمز بالأول; لأنه بنى على المشهور هنا وهناك، وهو أن الألف في الكلمتين لام الكلمة ولا صورة للهمزة إلا أنه زاد هنا مع ذلك الإشارة إلى الاحتمال الضعيف، وهو أن الألف صورة للهمزة ولم يشر إليه هناك، وإذ في قوله: "إذ رسمت" تعليل لزيادة الكلمات الثلاث، ولدى بمعنى: "في"، و: "إن" حرف شرط، وما الواقعة بعدها زائدة، و: "تبلو"، فعل الشرط مجزوم ب: "إن" وواوه للإطلاق، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبل الشرط عليه.

      التالي السابق


      الخدمات العلمية