الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال:


      ............ وكل نسفعا إذا يكونا لأهب ونونا


      لدى كأين رسموا التنوينا      ...........

      أخبر مع إطلاق الحكم الذي يشير به إلى اتفاق شيوخ النقل عن كل كتاب المصاحف بزيادة الألف في: "لنسفعا" و: "إذا"، و: "ليكونا"، و: "لأهب ".

      وأنهم رسموا التنوين في "كأين" نونا.

      أما "لنسفعا" ففي "العلق": لنسفعا بالناصية .

      وأما "ليكونا"، ففي سورة "يوسف" إخبارا عن قول امرأة العزيز في شأن سيدنا يوسف: وليكونا من الصاغرين . والنون الساكنة فيهما هي نون التوكيد الخفيفة تبدل في الوقف ألفا؛ فلذا كتبت به.

      وأما "إذا" فنحو: وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ، وقد تعددت في القرآن؛ وهي حرف جواب وجزاء فليس النون في طرفها تنوينا لكن لما أشبهت النون المنصوب قلبت نونها في الوقف ألفا؛ فلذا كتبت به، هذا مذهب أهل المصاحف في: "إذا"، وللنحاة فيها ثلاثة مذاهب:1 - كتبها بالألف مطلقا وهو الصحيح.

      2 - وكتبها بالنون مطلقا.

      3 - وكتبها بالألف إن أعملت وبالنون إن أهملت.

      وأما "لأهب" ففي "مريم": قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا . وقد روي عن قالون فيه وجهان:1 - أحدهما: قراءته بالهمز.

      2 - والثاني: قراءته بالياء المحضة؛ وهي رواية ورش، وقراءة أبي عمرو البصري.

      فعلى قراءته بالهمز يكون مضارعا مبدوءا بهمزة التكلم، وفاعله ضمير المتكلم وهو جبريل، وإسناد الهبة له مجاز; لأن الواهب حقيقة هو الله تعالى، ويحتمل أن يكون: "لأهب" محكيا بقول محذوف، أي: قال: "لأهب"، فيكون ضمير: "لأهب". عائدا على الرب تعالى، والإسناد حينئذ حقيقي، وعلى قراءته بالياء يكون مضارعا مبدوءا بياء الغيبة، وفاعله ضمير مستتر يعود على الرب، أي: "ليهب" ربك الذي استعذت به مني; لأنه الواهب حقيقة، ويحتمل أن تكون الياء بدلا من الهمزة لانفتاحها بعد كسرة، وتنزيل اللام منزلة [ ص: 187 ] جزء من الكلمة حتى تكون الهمزة متوسطة حكما.

      ورسم: "لأهب" بالألف مطابق لقراءة الهمز، وليس مطابقا لقراءة الياء لمخالفته للفظ سواء قلنا: إن الياء حرف مضارعة أو مبدلة من الهمزة، وعلى قراءته بالياء نبه الناظم على كتبه بالألف إلا أن ألفه ليست زائدة حقيقة؛ لثبوتها في الحالين؛ إذ هي عوض عن الياء إن قلنا: إن الياء فيه حرف مضارعة، وصورة للهمزة إن قلنا: إن الياء فيه مبدلة من الهمزة فصارت الألف كأنها هي الياء، فثبتت في الحالين ففي إطلاق الناظم الزيادة عليها تسامح تقدم نظيره في ألف: "لكنا"، و: "ابن" و: "أنا" كما أن في إطلاقه الزيادة على ألف: "لنسفعا" و: "ليكونا" و: "إذا" المتقدمة تسامحا أيضا؛ إذ ليست زائدة حقيقة؛ لثبوتها وقفا، وكأن وجه التسامح في ذلك أنه اعتمد على ما يأتي له في فن الضبط حيث تكلم فيه على الألفات الزائدة حقيقة، وحكم بجعل الدارة عليها، وسكت عن هذه الكلمات السبع، فسكوته عنها يدل على أن الألف فيها ليست زائدة حقيقة، ولهذا لا تجعل عليها الدارة كما سنذكره في الضبط.

      وأما "كأين" فقد كتب تنوينها نونا كما قال الناظم، وقد وقعت في سبعة مواضع في "آل عمران": وكأين من نبي قاتل ، وفي "يوسف"، وفي "الحج" في موضعين وفي "العنكبوت"، و: "القتال"، و: "الطلاق"، وأصلها: أي: "المنونة ركبت مع كاف التشبيه، ولا يخفى أن: "كأين" ليست مما يندرج في الترجمة؛ إذ لم يزد فيها حرف من حروف العلة المترجم لزيادتها، فذكر الناظم لها هنا تبرع.

      التالي السابق


      الخدمات العلمية