الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال:


      وألحقن ألفي إدارأتم والياء من إيلافهم وترسم


      ثاني ننجي يوسف والأنبيا     حمرا وأولا بباب حيي


      واختير ترك لحق تئوي رءيا      ..................................

      ذكر هنا ستة أشياء يلحق الحرف المحذوف منها بالحمراء اتفاقا في أربعة منها، وعلى غير المختار في اثنين، والمختار فيهما ترك الإلحاق، وهذه الأشياء الستة بعضها حذف منه الألف وهو: فادارأتم في "البقرة"، وبعضها حذف منه الياء وهو: إيلافهم في سورة "قريش" وباب: "حيي" وبعضها حذف منه النون، وهو: ننجي في "يوسف" و: "الأنبياء"، وبعضها حذف منه الواو وهو: "وتئوي"، و: "ورءيا"، فأشار إلى حكم: فادارأتم في "البقرة" بقوله: "وألحقن ألفي إدارأتم"، وألفاه هما التي بعد الدال، وهي ألف تفاعل والتي بعد الراء وهي صورة الهمزة، وقد قدم في الرسم حذف الألفين، وأمر هنا بإلحاقهما معا يعني اتفاقا، ولا إشكال في إلحاق التي بعد الدال; لأنها مما حذف من الوسط اختصارا، وذكر حكمها مع كونه معلوما من قوله: "وألحقن ألفا توسطا" البيت، خوفا من توهم عدم إلحاقها لو اقتصر على ذكر إلحاق الثانية، وأما الألف التي بعد الراء، [ ص: 310 ] فكان حقها أن لا تلحق بل يكتفى عنها بنقطة الهمزة في موضعها كما هو عند الجمهور في غير: فادارأتم ، مما همزته ساكنة مفتوح ما قبلها، وذلك: اطمأننتم ، و: امتلأت ، إذا قلنا بحذف صورة الهمزة منهما، وكأنهم لما رأوا في: فادارأتم تكرار الحذف جعلوا الإلحاق جبرا لذلك، وسكت عن: اطمأننتم ، و: امتلأت مع أنه قدم في باب الهمز من الرسم الخلاف في حذف صورة الهمزة منهما، إما; لأنه يختار إثبات الصورة فيهما، وهو المعمول به كما قدمناه، أو لأنه يختار فيهما عدم الإلحاق بناء على حذف الصورة.

      ثم أشار إلى حكم: إيلافهم في سورة "قريش" بقوله: "والياء من إيلافهم"، فقوله: و: "الياء" منصوب بالعطف على ألفي: "ادارأتم" أي: وألحقن الياء من: إيلافهم باتفاق.

      وقد قدم في الرسم حذفها وصفة إلحاقها كصفة رسمها لو كانت ثابتة، وهو أن تجعل بعد الألف الذي هو صورة الهمزة ياء حمراء متصلة باللام بعدها. وخالف اللبيب فقال: إن الياء تلحق هنا مردودة جريا على ما اختاره من عدم إيصال المحذوفات الملحقة إلى ما أثبت، والعمل على الأول، وقد نبهنا على هذا الخلاف في باب الهمز، وإنما ألحقوا هذه الياء خيفة أن يتوهم إسقاطها رأسا حتى من اللفظ لا سيما وقد قرئ به كما قدمناه في الرسم، وهذه الياء ليست بحرف مد بالأصالة بل أصلها همزة على ما قدمناه في الرسم، ولذلك لم يصح عندهم الاستغناء عنها بجعل المد في موضعها.

      ثم أشار إلى حكم: ننجي في "يوسف" و: "الأنبياء" بقوله: "وترسم ثاني ننجي يوسف والأنبيا حمرا" أي: وارسم ثاني نوني: ننجي حمراء من غير خلاف في سورة "يوسف"، وسورة "الأنبياء"، فقوله: و: "ترسم" لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر، ولذلك صح عطفه على "ألحقن"، وقد قدم الناظم في الرسم حذف النون الثانية من: ننجي في السورتين وأمرك هنا بأن تلحقها أي: بين النون الكحلاء والجيم بأن تجعل سنا بالحمراء بينها واصلا إلى السطر، هذا هو الجاري على ما عليه المحققون من إيصال الملحق إلى السطر، والجاري على مختار اللبيب أن تجعل نونا معرقة فوق السطر حمراء، وبالأول جرى العمل، ولما سكت الناظم في الرسم عن النون الثانية من: لننظر في [ ص: 311 ] "يونس" و: لننصر رسلنا في "غافر" سكت عنها هنا أيضا، وقد قدمنا في الرسم أن الشيخين ذكراها بالخلاف وضعفا حذفها، وبإثباتها جرى العمل، وإذا بنيت على حذفها فلا فرق بينها وبين نون: ننجي المحذوفة في الإلحاق، ولما عبر الناظم في ألفي: فادارأتم بالإلحاق لم يحتج إلى بيان لون الحمرة لاستلزام الإلحاق له كما قدمناه، ولما عبر في: ننجي بالرسم احتاج حينئذ إلى بيان اللون فقال: "حمراء"; لأن الرسم لا يستلزم الحمرة إذ أكثر ما يطلق على ما يكتب بالكحلاء مما هو ثابت كما قدمناه أيضا، وعبر ب: "ثاني"، وهو مذكر ثم وصفه بحمراء وهو مؤنث; لأن الحروف يجوز تذكيرها وتأنيثها.

      ثم أشار إلى حكم باب حيي بقوله: "وأولا بباب حيي" أي: وارسم بالحمراء حرفا أولا في باب: حيي، ويعني الياء الأولى منه، وباب: حيي هو ما اجتمع فيه ياءان متحركتان في الطرف، ولم ترسم منهما إلا ياء واحدة، وقد وقع ذلك في أربع كلمات في خمسة مواضع، وهي: إن وليي الله في الأعراف، و: "من حيي عن بينة" في "الأنفال" و: لنحيي به بلدة ميتا في "الفرقان"، :0 على أن يحيي الموتى في "الأحقاف" والقيامة، وقد قدم الناظم في الرسم أن الراجح في باب حيي حذف الياء الأولى، وأمر هنا بإلحاقها مراعاة لحركتها؛ إذ لا توجد حركة غير قائمة بحرف، ولا يصح أن يستغنى عن الياء هنا بالمد في موضعها؛ إذ ليست بحرف مد فتعين إلحاقها، ولم يذكر حكم الثانية إذا بنينا على حذفها، والظاهر أن لا فرق بينها وبين الأولى فلا بد من إلحاقها لأجل حركتها، وسكت هنا عن: يستحيي ، ونحوه مما ثاني المثلين فيه ياء ساكنة في الطرف لتقدمه في باب المد في قوله: "كذا قياس نحو لا يستحيي" البيت، لكن ذلك على حذف الثانية، وأما إن بني فيه على حذف الأولى فلا بد من إلحاقها رعيا لحركتها كما تقدم في باب: حيي، فهذه هي الأشياء الأربعة التي يلحق فيها المحذوف اتفاقا.

      ثم ذكر ما لا يلحق في المحذوف على المختار؛ وهو: "تئوي"، و: "ورءيا"، فأشار إلى حكم: "تئوي"، بقوله: "واختير ترك لحق تئوي" وينبغي أن يقدر فيه مضاف قبل تئوي أي: نحو تئوي، ويكون المراد حينئذ بنحو تئوي كل ما اجتمع [ ص: 312 ] فيه مثلان أحدهما صورة الهمزة، وقلنا بحذفها لاجتماع المثلين، وسواء كان المثلان واوين أو ياءين أو ألفين.

      فمثال الواوين: "تئوي"، و: ليطفئوا ، و: "خاطئون"، ولا فرق في: "تئوي"، بين أن يكون مجردا كما نطق به، أو متصلا بضمير نحو: "تئويه"، وقد قدم الناظم في الرسم أن "تئوي" مما حذفت فيه صورة الهمزة لئلا يجتمع مثلان، ومثال الياءين: مستهزئون ، و: "ورءيا"، بكسر الراء مهموزا، ومثال الألفين: مآب ، و: "تبوءا"، و: "نأى"، و: رأى في غير الموضعين المتقدمين للناظم في الرسم، فالمختار المعمول به في ضبط جميع ذلك ترك إلحاق صورة الهمزة والاقتصار على جعل الهمزة نقطة صفراء في السطر قبل الواو في: "تئوي" ونحوه، وقبل الياء في: "مستهزئين" ونحوه، وقبل الألف في: مآب ، ونحوه، ومقابل المختار إلحاق صورة الهمزة قبل الأحرف الثلاثة، وجعل الهمزة نقطة صفراء فوق الصورة الملحقة.

      ثم أشار إلى حكم "رءيا"، بقوله "رءيا"، وهو بضم الراء معطوف على "تئوي" بإسقاط العاطف، ومراده به الرءيا ورءياك وشبههما، ونطق به مجردا من السوابق واللواحق قصدا للشمول; لأنه القدر المشترك وإلا فلفظ "رءيا" لم يقع في القرءان منكرا، وقد قدم الناظم في الرسم أن صورة الهمزة محذوفة من الرءيا، وأشار هنا إلى أن المختار في ضبطه ترك إلحاق الواو -التي هي صورة الهمزة- والاقتصار على جعل الهمزة نقطة صفراء في السطر، ومقابل المختار إلحاق الواو وجعل الهمزة نقطة صفراء فوقها وبالوجه المختار جرى العمل، وينبغي أن يقدر قبل قوله "رءيا" مضاف كما قدر في "تئوي" أي: ونحو "رءيا" ليدخل في ذلك كل ما حذفت منه صورة الهمزة للاختصار لا لكونها بعد ساكن ولا لاجتماع صورتها، فيدخل في ذلك: امتلأت و: اطمأننتم فالحكم في الجميع إذا بنيت على حذف صورة الهمزة كالحكم في "الرءيا" وهو أن المختار ترك إلحاق صورة الهمزة والاقتصار على جعل نقطة صفراء في السطر ومقابل المختار إلحاق صورتها وجعل الهمزة نقطة صفراء فوقها، ويستثنى من ذلك: "ادارأتم"، لتقدم ذكره بحكمه الخاص به، وقوله: "ألحقن" بنون ساكنة في آخره هي نون التوكيد الخفيفة، و: "ألفي" مفعوله منصوب بالياء [ ص: 313 ] لكونه مثنى، وحذفت نونه للإضافة، وياؤه مكسورة لالتقاء الساكنين،

      التالي السابق


      الخدمات العلمية