الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال:


      ........... وءالهتنا في الزخرف


      وقوله آمنتم مستفهما     الحكم فيهن كما تقدما


      لكن بعد ألف ألحقتا     حمراء مثل هذه إن أنتا


      جعلت هذه هي الملينه     وإن جعلتها هي المسكنه

      [ ص: 286 ]

      فالألف الحمراء قبل ألحقن     وانقط عليها أو بنقط عوضن

      ذكر هنا حكم ما اجتمع فيه ثلاث همزات، ولم يرسم إلا بصورة واحدة وهو: أآلهتنا في "الزخرف"، و: "آمنتم" المستفهم به، أما: أآلهتنا في "الزخرف" فهو: وقالوا أآلهتنا خير أم هو ، وقيده بالزخرف احترازا مما في غيرها كقوله تعالى: " أإنا لتاركو آلهتنا "، وأما " أأمنتم " المستفهم به أي: الذي في أوله همزة استفهام ففي ثلاثة مواضع: موضع في "الأعراف"، وموضع في "طه" وموضع في "الشعراء"، وقيده بالاستفهام احترازا من غير هذه المواضع الثلاثة؛ نحو قوله تعالى: إذا ما وقع آمنتم به ، وضمير فيهن من قوله: "الحكم فيهن كما تقدم" يعود على: أآلهتنا ، و: أأمنتم ، وجمعه باعتبار المواضع؛ إذ مواضع: "أأمنتم" ثلاثة كما ذكرنا، ومعنى كلامه أن حكم ما اجتمع فيه ثلاث همزات كالحكم المتقدم فيما اجتمع فيه همزتان متفقتان، فيجري هنا ما قدمه هناك من الخلاف في كون الصورة للأولى أو للثانية، ومن اختيار كونها للثانية، وما ينبني على الاختيار المذكور من الضبط، ولما كان عموم قوله: "الحكم فيهن كما تقدم" يقتضي اختيار جعل الصورة لغير الأولى كما تقدم في الهمزتين المتفقتين، واحتمل هنا أن تكون الصورة للوسطى وأن تكون للأخيرة، استدرك أوجه الضبط المتفرعة على الاحتمالين بقوله: "لكن بعد ألف ألحقتا" إلخ، وجملتها ثلاثة: الوجه الأول: أن تلحق بعد الألف الكحلاء ألفا حمراء مثل هذه؛ أي: مثل الألف الكحلاء، ويعني بقوله: "مثل هذه" أن الألف الحمراء تكون مساوية للألف الكحلاء في الصورة والقدر وإن كانت مخالفة لها في اللون، وهذا الوجه الأول مبني على جعل الصورة للوسطى، كما أشار إليه بقوله: "إن أنت جعلت هذه الملينه"، أي: إنما تلحق الألف الحمراء بعد الكحلاء إذا جعلت هذه -أي: الكحلاء- هي صورة الهمزة الملينة أي: المسهلة لنافع، وهي الهمزة الوسطى، وهذا الوجه هو المختار عند النقاط; لأنه لا يتوالى الحذف معه بخلاف غيره، ولهذا بدأ به الناظم وبه جرى العمل، ولم ينبه الناظم على جعل النقطة التي هي علامة التسهيل على الألف الكحلاء في هذا الوجه، كما لم ينبه على جعل النقطة [ ص: 287 ] الصفراء في السطر لدخول ذلك في عموم قوله: "الحكم فيهن كما تقدم".

      الوجه الثاني: أن تلحق الألف الحمراء قبل الكحلاء، وتجعل عليها علامة التسهيل.

      الوجه الثالث: أن تعوض الألف الحمراء بنقطة في موضع الهمزة الثانية؛ بأن تكتفي بالنقطة عن إلحاق الألف، وهذان الوجهان مرجوحان، وهما مبنيان على جعل الألف الكحلاء صورة للأخيرة، كما أشار إلى ذلك بقوله: "وإن جعلتها" أي: الألف الكحلاء هي المسكنة أي: صورة للهمزة المسكنة المبدلة الآن ألفا، وهي الأخيرة، "فالألف الحمراء قبل ألحقن" البيت، ولم يتكلم في هذين الوجهين على حكم المحققة، والمبدلة حرف مد اكتفاء بما تقدم، وهذه الأوجه الثلاث مفرعة على تسهيل الثانية بين بين، وهو رواية قالون والراجح المقروء به لورش وروي عن ورش أيضا إبدال الثانية ألفا وهي رواية ضعيفة، ولضعفها لم يتكلم المتقدمون على النقط المبني عليها، وإن كانت راجحة في غير هذا الموضع من المفتوحتين، وقد ذكر المتأخرون في ضبط ما اجتمع فيه ثلاث همزات وجوها كثيرة لقالون وورش، أنهاها بعضهم إلى ستين وجها بعضها مفرع على تسهيل الثانية، وبعضها مفرع على إبدالها، ولم يتعرض الناظم منها إلا للأوجه الثلاثة المتقدمة لضعف ما عداها.

      "تنبيه": اختلف في إيصال الألف الملحقة إلى السطر، وعدم إيصالها كما اختلف في إيصال سائر المحذوفات الملحقة إلى ما أثبت كالياء في: إيلافهم ، والمحققون على الإيصال، وجعل المحذوف على صفة الثابت إلا في اللون، وفي قول الناظم: "مثل هذه" إشارة إلى اختيار إيصال الألف الملحقة، واختار اللبيب عدم الإيصال في الكل، والعمل عندنا على عدم إيصال الألف الملحقة، وعلى إيصال غيرها من سائر الملحقات، وقول الناظم: "لكن بعد ألف" فيه حذف اسم "لكن"، والتقدير: لكنك، "وألحقتا" خبرها وهو بمعنى "تلحق"، وقوله: "بعد ألف" على حذف النعت؛ أي: ألف كحلاء، وكل من قوله: "حمراء" وقوله: "مثلها" نعت لمحذوف تقديره "ألفا"،

      التالي السابق


      الخدمات العلمية