الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال:


      ومع لكنا لشيء وهما في الكهف وابن وأنا قل حيثما


      لا تيأسوا ييأس      .............................

      ذكر هنا من الكلمات التي زيدت فيها الألف باتفاق [ ص: 183 ] ست كلمات، وهي: "لكنا" في الكهف و: "لشيء" فيها أيضا، و: "ابن"، و: "أنا" و: "تيأسوا"، و: "ييأس" إلا أن زيادتها في: "لكنا" و: "ابن" و: "أنا"، ليست حقيقة كما سيأتي، ولم يعين الناظم مواضع الزيادة من هذه الكلمات اعتمادا على التوقيف أيضا.

      أما "لكنا" في "الكهف" فهو: لكنا هو الله ربي . قال أبو داود، "لكنا" كتبوه بألف ثابتة بعد النون، واجتمعت على ذلك المصاحف، وابن عامر يثبتها من اللفظ وصلا وغيره يحذفها، واتفق جميعهم على إثباتها وقفا. اه. بالمعنى وأصل: "لكنا" لكن أنا، ف: "لكن" حرف استدراك مخفف، و: "أنا" ضمير المتكلم المنفصل، وبهذا الأصل قرأ أبي رضي الله عنه ثم اختلف النحاة فذهب أبو علي الفارسي إلى أن الهمزة حذفت اعتباطا، أي: من غير علة فاجتمع نونان:

      أولاهما ساكنة فأدغمت في الثانية، وذهب الزجاج إلى أن حركة الهمزة نقلت إلى النون الساكنة، ثم حذفت فاجتمع مثلان من كلمتين فسكن أولهما وأدغم في ثانيهما، واحترز الناظم بقوله: في "الكهف" عن ما وقع في غيرها من لفظ: "لكن"، فإنه لا ألف بعد نونه لا لفظا ولا رسما، نعم ألفا: "لكنا" المركب من: "لكن" وضمير جماعة المتكلمين المنصوب به ثابتة لفظا ورسما نحو: ولكنا أنشأنا قرونا .

      وأما: "لشيء"، في: "الكهف"، أيضا فهو: ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله . كتبوه في جميع المصاحف بألف بين الياء والشين كما ذكره أبو داود، واحترز الناظم بقيد المجاور وهو اللام المكسورة عن الخالي عنه نحو: ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير . إن هذا لشيء عجاب ، وبقيد السورة عن الواقع في: "النحل": إنما قولنا لشيء إذا أردناه ، فإن ذلك كله لم يرسم فيه ألف بين الشين والياء.

      وأما ابن فنحو: اسمه المسيح عيسى ابن مريم . وهو متعدد، قال أبو عمرو، وأجمع كتاب المصاحف على إثبات ألف الوصل في قوله: عيسى ابن مريم . و: المسيح ابن مريم حيث وقع وهو نعت كما رسمت في الخبر في قوله: عزير ابن الله و: المسيح ابن الله ، فإن الله عز وجل أخبر في كتابه أن اليهود والنصارى قالوا ذلك. اه.

      هذا مذهب أهل المصاحف في: "ابن"، وهو مخالف لما عليه النحويون من حذف ألف: "ابن"، إذا وصف به علم، وأضيف إلى علم كما في الآيات المتقدمة، [ ص: 184 ] ومثل: "ابن" "ابنة".

      وأما "أنا" فنحو: قال أنا أحيي وأميت ، وهو متعدد، وقد أطبقت المصاحف كما ذكره في: "التنزيل"، على إثبات ألف بعد النون في كلمة: "أنا" الخفيفة سواء أتى بعدها همزة مضمومة، أو مفتوحة أو مكسورة أو ألف وصل أو حرف آخر نحو: أنا ربكم . و: إنني أنا الله . و: أنا أعلم . و: أنا آتيك و: أنا أحيي وأميت و: إن أنا إلا نذير و: أم أنا خير . وشبهه، و: أنا من الضمائر المنفصلة، وقد اختلف النحاة هل الضمير جملة أحرفه الثلاثة وهو مذهب الكوفيين، أو الحرفان الأولان فقط والألف زائدة، في الوقف محافظة لإشباع الحركة لئلا تسكن في الوقف فتلتبس بأن الناصبة، وهو مذهب البصريين، وتميم يثبتون ألفه وصلا وغيرهم يحذفها، واتفق الجميع على إثباتها وقفا.

      وأما: "تيأسوا" و: "ييأس"، ففي "يوسف": "ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون".

      وفي "الرعد": أفلم ييأس الذين آمنوا كتبوا الكلمتين في المواضع الثلاثة بألف زائدة بين حرف المضارعة، وبين الياء بعده وقد قرأ البزي المواضع الثلاثة بخلف عنه بتقديم الهمزة مبدلة ألفا على الياء مفتوحة.

      "تنبيه": الألف في: "لكنا" و: "ابن" و: "أنا"، ليست زائدة حقيقة; لأن الزائد حقيقة هو ما لا يلفظ به لا وصلا ولا وقفا، والألف في الكلمات الثلاث ليست كذلك لثبوتها في: "لكنا" وقفا لجميع القراء ووصلا لابن عامر، وثبوتها في: "ابن" ابتداء لجميع القراء، وثبوتها في: "أنا" وقفا لجميع القراء، ولا شك أن الرسم مبني على الوقف والابتداء، فلما ثبتت في أحدهما لم تكن زائدة حقيقة، فإطلاق الناظم الزيادة عليها تسامح سيأتي وجهه.

      وأما "الألف" في: "لشايء" في "الكهف" و: "تايئسوا" و: "يايئس"، فإنها زائدة حقيقة، ومما وجهوا به زيادتها فيها أنها لتقوية الهمزة وبيانها لخفائها، ولم يعتد بالياء; لأنها بسكونها وكونها حرف لين غير حاجز حصين، ولم ترسم تلك الألف بعد الهمزة لوقوع الساكن قبلها، والألف ولو زائدة إنما تقع بعد المتحرك لا بعد الساكن ولم تزد الألف في: "لشيء" الذي في "النحل"، كما زيدت في الذي في: "الكهف" لقصدهم -والله أعلم- التفرقة بين ما في "النحل"، لكونه مراد الله فلم يناسبه التغيير بخلاف ما في: "الكهف" لكونه [ ص: 185 ] مراد العبد.

      وقول الناظم: "لشايء" عطف على كلمات البيت السابق، و: "مع" ظرف في محل الحال منه و: "لكنا" مقصود لفظه أضيف إليه "مع".

      وقوله: "يايئس"، بسكون السين إجراء للوصل مجرى الوقف للوزن.

      التالي السابق


      الخدمات العلمية