الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال:


      فصل وياء زيد من تلقاءي وقبل ذي القربى أتى إيتاءي


      وقبل في الأنعام قل من نبإي     وما خفضت من مضاف ملإ

      لما فرغ من مواضع زيادة الألف عقد هذا الفصل لمواضع زيادة الياء، فأخبر مع إطلاق الحكم الذي يشير به إلى اتفاق شيوخ النقل بأن الياء زيدت في: "من تلقاءي" وفي: "إيتاءي" حال كونه قبل: ذي القربى ، وفي: "من نبإي"، في الأنعام وفيما خفض من: "ملإ" المضاف.

      فأما "من تلقاءي" ففي "يونس": "أن أبدله من تلقاءي نفسي" واحترز [ ص: 192 ] بقيد "من" عن نحو: تلقاء أصحاب النار ، مما هو منصوب فإنه لم تزد فيه الياء.

      وأما "إيتاءي" الواقع قبل: ذي القربى . ففي "النحل"، واحترز بقوله قبل ذي القربى . عن غير الواقع قبله مخفوضا وغيره نحو: وإيتاء الزكاة يخافون ، وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ، فإنه لم تزد فيه الياء.

      وأما "من نبإي" في "الأنعام" فهو: "ولقد جاءك من نبإي المرسلين". واحترز بقيد السورة عن الواقع في غيرها؛ وهو في "القصص": "نتلو عليك من نبإ موسى" وبقيد: "من" عن الواقع في الأنعام خاليا من كلمة "من" وهو: لكل نبإ مستقر ، وخرج به المنصوب أيضا نحو: نبأ الذي آتيناه آياتنا . فإن الياء لم تزد في واحد منها.

      وأما المخفوض من "ملإ" المضاف نحو: "إلى فرعون وملإيه فظلموا بها"، و: "وملإيهم أن يفتنهم"، واحترز بقيد الخفض عن غير المخفوض نحو: وملأه زينة وأموالا ، وبقيد الإضافة عن غير المضاف نحو: لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ، فإن الياء لم تزد فيهما ولم يعين الناظم مواضع زيادة الياء من هذه الكلمات ومن الكلمات التي بعدها اعتمادا على التوقيف أو الشهرة المغنية عن التعريف، وسنذكر ذلك مع وجه زيادة الياء فيها آخر هذا الفصل.

      "واعلم" أن حكم الناظم هنا بزيادة الياء في باب: "ملإيه" تبع فيه الشيخين، مع أن قياس قوله المتقدم في باب الهمز.


      وحيثما حركت أو ما قبلها     في غير هذه فلاحظ شكلها

      أن تكون الياء في باب: "ملإيه" صورة للهمزة؛ إذ هي متوسطة بسبب اتصال الضمير كما في: نقرؤه . و: يكلؤكم ; ولذا قال بعضهم: إن الياء فيه صورة الهمزة والألف هي الزائدة تقوية للهمزة، أو إشباعا لحركة اللام، وأنكر غيره، وقطع ابن الجزري في النشر بزيادة الألف وكون الياء صورة للهمزة قائلا: والعجب من الداني والشاطبي ومن قلدهما، كيف قطعوا بزيادة الياء في: "ملإيه" و: "وملإيهم" اه.

      وعلى أن الألف هي الزائدة، والياء صورة للهمزة يكون ضبط باب: "ملإيه". بجعل دارة حمراء فوق الألف دلالة على زيادتها وجعل الهمزة نقطة صفراء تحت الياء، وبهذا الضبط جرى العمل في بعض البلاد، وأجيب عن الشيخين ومن تبعها كالناظم بأن إجراء الهمز الذي اتصل به الضمير مجرى [ ص: 193 ] المتوسطة حقيقة إنما هو في الأكثر لا دائما، ألا ترى أنهم حذفوا في بعض المصاحف صورة الهمزة في: أولياء المضاف إلى الضمير رفعا وجرا، وفي: جزاؤه في "يوسف" مع كونهما مضافين إلى ضمير، وإنما حذفوها نظرا إلى الأصل قبل الإضافة؛ إذ الهمز طرف حينئذ، وشأن الهمز الواقع طرفا بعد الألف أن لا يصور؛ فلا يبعد حينئذ ما قاله الشيخان ومن تبعهما نظرا إلى الأصل قبل الإضافة؛ فعلى هذا يكون حكم الناظم بزيادة الياء في باب: "ملإيه". كالاستثناء له من قوله قيل: "وكيفما حركت" البيت؛ إذ قاعدة الهمز المتصل أنه في حكم المتوسط فأخرج هنا من تلك القاعدة باب "ملإيه" حتى تكون الهمزة فيه متطرفة فتصور بالألف نظرا إلى حركة ما قبلها وتكون الياء هي الزائدة وعلى هذا يكون ضبط باب "ملإيه" بجعل الهمزة نقطة صفراء تحت الألف، وجعل دارة حمراء فوق الياء دلالة على زيادتها، وبهذا الضبط جرى العمل ببلدنا تونس.

      وقول الناظم: "قبل" الواقع في صدر البيت الثاني ظرف مبني على الضم لقطعه عن الإضافة لفظا، وهو في المعنى مضاف إلى ضمير: "تلقاءي"، و: "وإيتاءي". وقوله: "من مضاف" يقرأ من غير تنوين; لأنه مضاف إلى "ملإ" إضافة الصفة إلى الموصوف.

      التالي السابق


      الخدمات العلمية