الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال:


      وعنهما الكتاب غير الحجر والكهف في ثانيهما عن خبر


      ومع لفظ أجل في الرعد     وأول النمل تمام العد

      [ ص: 51 ] أخبر عن الشيخين بحذف ألف الكتاب نحو: الم ذلك الكتاب ، وهو متعدد في البقرة وفيما بعدها نحو: والذين يبتغون الكتاب ، ومنوع نحو: الر كتاب أنزلناه إليك ألقي إلي كتاب كريم اقرأ كتابك ، فأما من أوتي كتابه بيمينه اقرءوا كتابيه ، ثم استثنى من لفظ الكتاب تبعا للشيخين أربعة ألفاظ بالإثبات:

      1 - أولها: في كلامه الثاني في الحجر: وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ، واحترز بالثاني عن الأول وهو: الر تلك آيات الكتاب المبين وقرآن مبين .

      2 - ثانيها: الثاني في الكهف: واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك ، واحترز بالثاني عن الأول والثالث والرابع فيها: الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ووضع الكتاب مال هذا الكتاب .

      3 - ثالثها: المقترن بأجل في سورة الرعد: لكل أجل كتاب ، واحترز بقوله مع لفظ أجل عن غير المقترن بلفظ أجل، وهو في الرعد أيضا: الر تلك آيات الكتاب ، والذين آتيناهم الكتاب ، ويثبت وعنده أم الكتاب ، ومن عنده علم الكتاب .

      ودفع بقوله في الرعد توهم اندراج الكتاب المقترن بأجله في قوله تعالى: حتى يبلغ الكتاب أجله .

      4 - رابعها: الأولى في النمل: طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين ، واحترز بأول النمل عن الأربعة بعده: اذهب بكتابي هذا ، إني ألقي إلي كتاب كريم قال الذي عنده علم من الكتاب وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين ، وهذا الحكم الذي نسبه الناظم في هذين البيتين إلى الشيخين، ذكره الشاطبي وصاحب المنصف أيضا، وإنما اقتصر على نسبته إلى الشيخين; لأن نسبة الحكم إلى أبي عمرو في المقنع لما كانت تستلزم نسبته للشاطبي في "العقيلة" لقول الناظم، والشاطبي جاء في العقيلة به، والنسبة إلى المنصف إنما يقصد بها بيان ما انفرد به فقط، فلم يحتج الناظم إلى تكلف النسبة إلى الشيوخ الأربعة وهكذا يقال: في كل حكم ذكره الشيوخ الأربعة، ونسبه الناظم إلى الشيخين فقط، وقوله: غير الحجر منصوب على الاستثناء.

      واعلم: أن ما يستثنيه الناظم من الحكم المسند لشيخ فأكثر تارة يستثنيه لنص ذلك الشيخ فيه على خلاف ذلك الحكم، [ ص: 52 ] وتارة يستثنيه لسكوت ذلك الشيخ عنه، فالأول كما في هذين البيتين، والثاني كما تقدم في قوله: "بغير أولى يوسف"، وكما يأتي في قوله: "سوى قل اصلاح"، وقوله: "عن خبر" متعلق بمحذوف، أي: قلت، أو أقول ذلك عن خبر، والخبر بضم الخاء وسكون الباء الاختبار والامتحان، وهو تتميم للبيت.

      وقوله: تمام العد، خبر عن قوله: وأول النمل، أي: تمام عدد الكلم المستثناة بالإثبات.

      التالي السابق


      الخدمات العلمية