الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                    [ 3454 / 1 ] قال أبو بكر بن أبي شيبة: وثنا زيد بن الحباب، ثنا موسى بن [ ص: 221 ] عبيدة الربذي، ثنا هود بن عطاء (اليماني ) عن أنس رضي الله عنه قال: " كان فينا شاب ذو عبادة وزهد واجتهاد. قال: فسميناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعرفه، ووصفناه بصفة فلم يعرفه، فبينا نحن كذلك إذ أقبل، فقلنا: يا رسول الله، هو هذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أرى على وجهه سفعة من الشيطان. فجاء فسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجعلت في نفسك أن ليس في القوم أحد خير منك؟ قال: اللهم نعم. ثم ولى فدخل المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يقتل الرجل؟ فقال أبو بكر: أنا. فدخل فإذا هو قائم يصلي، فقال: أقتل رجلا يصلي، وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب المصلين؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يقتل الرجل؟ فقال عمر: أنا يا رسول الله. فدخل عمر المسجد فإذا هو ساجد، فقال: أقتل رجلا يصلي، وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب المصلين؟ ! لأرجعن، فقد رجع من هو خير مني أبو بكر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه يا عمر. فقال: يا رسول الله، وجدته يصلي، وقد نهيتنا عن ضرب المصلين. فقال: من يقتل الرجل؟ فقال علي: أنا. فقال: أنت تقتله إن وجدته. فدخل المسجد فوجده قد خرج، فقال: أما والله أن لو قتلته لكان أولهم وآخرهم، وما اختلف من أمتي اثنان ".

                                                                                                                                                                    [ 3454 / 2 ] وبه عن أنس بن مالك، عن أبي بكر قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب المصلين ".

                                                                                                                                                                    [ 3454 / 3 ] رواه أبو يعلى الموصلي: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة... فذكر طريقه الثانية.

                                                                                                                                                                    [ 3454 / 4 ] قال أبو يعلى : وثنا عمرو بن الضحاك، ثنا أبي، عن موسى بن عبيدة به مثله.

                                                                                                                                                                    [ 3454 / 5 ] قال: وثنا محمد بن الفرج أبو جعفر ببغداد، ثنا محمد بن الزبرقان، حدثني موسى بن عبيدة، أخبرني هود بن عطاء، عن أنس قال: " كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يعجبنا تعبده واجتهاده، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم باسمه فلم يعرفه، ووصفنا بصفته فلم يعرفه... " فذكر طريق ابن أبي شيبة الأولى، وزاد في آخره: قال موسى: سمعت محمد بن كعب يقول: " هو الذي قتله علي ذا الثدية ". [ ص: 222 ]

                                                                                                                                                                    [ 3454 / 6 ] قال أبو يعلى : وثنا أبو خيثمة، ثنا عمر بن يونس، ثنا عكرمة، عن يزيد الرقاشي في حوض زمزم والناس مجتمعون عليه من قريش وغيرهم، قال: حدثني أنس بن مالك قال: " كان رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رجع وحط عن راحلته عمد إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي فيه فيطيل الصلاة حتى جعل بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أن له فضلا عليهم فمر يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في أصحابه، فقال له بعض أصحابه: يا نبي الله، هو ذاك. فإما أرسل إليه نبي الله صلى الله عليه وسلم وإما جاء من قبل نفسه - فلما رآه رسول الله مقبلا قال: والذي نفسي بيده، إن بين عينيه سفعة من الشيطان. فلما وقف على المجلس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقلت في نفسك حين وقفت على المجلس: ليس في القوم خير مني؟ قال: نعم. ثم انصرف فأتى ناحية من المسجد فخط خطة برجله، ثم صف كعبيه، ثم قام يصلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكم يقوم إلى هذا فيقتله؟ فقام أبو بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقتلت الرجل؟ قال: وجدته يصلي فهبته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكم يقوم إلى هذا الرجل فيقتله؟ قال عمر: أنا. وأخذ السيف، فوجده يصلي فرجع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: أقتلت الرجل؟ قال: يا نبي الله، وجدته يصلي فهبته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكم يقوم إلى هذا الرجل فيقتله؟ قال علي: أنا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت إن أدركته. فذهب علي فلم يجده فرجع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقتلت الرجل؟ قال: لم أدر أين سلك من الأرض. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا أول قرن خرج من أمتي. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قتلته - أو قتله - ما اختلف في أمتي اثنان، إن بني إسرائيل تفرقوا على واحد وسبعين فرقة، وإن هذه الأمة - يعني: أمته - ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة واحدة. قلنا: يا نبي الله، من تلك الفرقة؟ قال: الجماعة. قال يزيد الرقاشي: فقلت لأنس: يا أبا حمزة، فأين الجماعة؟ قال: مع أمرائكم، مع أمرائكم ".

                                                                                                                                                                    [ 3454 / 7 ] قال أبو يعلى الموصلي: وثنا محمد بن بكار، ثنا أبو معشر، عن يعقوب بن زيد بن طلحة، عن زيد بن أسلم، عن أنس بن مالك قال: " ذكر رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم له نكاية في العدو واجتهاد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أعرف هذا. قال: بل نعته كذا [ ص: 223 ] وكذا. قال: ما أعرفه. قال: فبينما نحن كذلك إذ طلع الرجل، فقال: هو هذا يا رسول الله. قال: ما كنت أعرف هذا، هذا أول قرن رأيته في أمتي، إن فيه لسفعة من الشيطان. فلما دنا الرجل سلم، فرد عليه السلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنشدك بالله، هل حدثت نفسك حين طلعت علينا أن ليس في القوم أحد أفضل منك؟ قال: اللهم نعم. قال: فدخل المسجد فصلى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: قم فاقتله. فدخل أبو بكر فوجده قائما يصلي، فقال أبو بكر في نفسه: إن للصلاة حرمة وحقا، ولو أني استأمرت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاء إليه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أقتلته؟ قال: لا، رأيته قائما يصلي، ورأيت للصلاة حرمة وحقا، وإن شئت أن أقتله قتلته. قال: لست بصاحبه، اذهب أنت يا عمر فاقتله. فدخل عمر المسجد فإذا هو ساجد فانتظره طويلا، ثم قال عمر في نفسه: إن للسجود حقا، ولو أني استأمرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد استأمره من هو خير مني، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقتلته؟ قال: لا، رأيته ساجدا ورأيت للسجود حقا، وإن شئت أن أقتله قتلته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لست بصاحبه، قم يا علي، أنت صاحبه إن وجدته. فدخل فوجده قد خرج من المسجد، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقتلته؟ قال: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قتل ما اختلف رجلان من أمتي حتى يخرج الدجال. ثم حدثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمم فقال: تفرقت أمة موسى على إحدى وسبعين ملة، سبعون منها في النار وواحدة في الجنة، وتفرقت أمة عيسى على ثنتين وسبعين ملة، إحدى وسبعين منها في النار وواحدة في الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وتعلو أمتي على الفرقتين جميعا بملة، اثنين وسبعين في النار وواحدة في الجنة. قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: الجماعة ".

                                                                                                                                                                    [ 3454 / 8 ] قال يعقوب بن زيد: وكان علي بن أبي طالب إذا حدث بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا منه قرآنا: ( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) ثم ذكر أمة عيسى فقال: ( ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ) أو إلى قوله: ( ساء ما يعملون ) ثم ذكر أمتنا فقال: ( وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) . [ ص: 224 ]

                                                                                                                                                                    [ 3454 / 9 ] ورواه البزار في مسنده: ثنا إبراهيم بن عبد الله بن محمد الكوفي، ثنا عبد الرحمن بن شريك، ثنا أبي، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن أنس بن مالك قال: " كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل رجل حسن السمت - ذكروا من أمره أمرا حسنا - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأرى على وجهه سفعة من النار. فلما انتهى فسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: بالله حيث ذكر كلمة أحسبه قال: - قلت في نفسك - أو ترى في نفسك - أنك أفضل القوم؟ قال: نعم. قال: فلما ذهب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه قد طلع - أحسبه قال: - قوم هذا وأصحابه منهم. قال أبو بكر: أفلا أقتله يا رسول الله؟ قال: بلى. فانطلق أبو بكر فوجده في المسجد يصلي، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني وجدته يصلي فلم أستطع أن أقتله. قال عمر: أفلا أقتله؟ قال: بلى. قال: وانطلق عمر، فوجده في المسجد يصلي، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني وجدته يصلي فلم أستطع أن أقتله. فقال علي: أفلا أقتله يا رسول الله؟ فقال: بلى، أنت تقتله إن وجدته. فانطلق علي فلم يجده ".

                                                                                                                                                                    قال البزار: لا نعلمه يروى عن أنس بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه تفرد به شريك ، عن الأعمش.

                                                                                                                                                                    قوله: " سفعة " - بفتح السين والعين المهملتين بينها فاء ساكنة - أي أخذ من الجن، ومنه ( لنسفعا بالناصية ) والأسفع الذي بخده سواد يخالف لونه، والأنثى سفعاء، والجمع: سفع.

                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية