الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            4015 - أخبرنا ابن عبد القاهر الجرجاني ، أنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي ، أنا أبو أحمد محمد بن عيسى الجلودي ، نا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان ، نا مسلم بن الحجاج ، نا قتيبة بن سعيد ، نا حماد هو ابن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، عن ثوبان ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها، وأعطيت الكنزين: الأحمر، والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي: ألا يهلكها بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: " يا محمد ، إني إذا قضيت قضاء، فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة، ولا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من أقطارها، أو قال: من بين [ ص: 216 ] أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا ".

                                                                            هذا حديث صحيح.

                                                                            قال أبو سليمان الخطابي قوله: "زوى لي الأرض"، معناه: جمعها وقبضها، يقال: انزوى الشيء إذا تقبض وتجمع.

                                                                            وقوله: "ما زوى لي منها"، يتوهم بعض الناس أن حرف "من"، ههنا للتبعيض، فيقول: كيف اشترط في أول الكلام الاستيعاب ورد آخره إلى التبعيض، وليس ذلك على ما يقدرونه، وإنما معناه التفصيل للجملة المتقدمة، والتفصيل لا يناقض الجملة، لكنه يأتي عليها ويستوفيها جزءا جزءا، والمعنى: أن الأرض زويت جملتها له مرة واحدة، فرآها: ثم هي يفتح له جزء جزء منها حتى يأتي عليها كلها، والكنزان: هما الذهب والفضة، وقوله: "ألا يهلكها بسنة عامة"، فإن السنة: القحط والجدب، وإنما جرت الدعوة بألا تعمهم السنة كافة، فيهلكوا عن آخرهم، فأما أن يجدب قوم، ويخصب آخرون، فإنه خارج عما جرت به الدعوة.

                                                                            وقوله: "يستبيح بيضتهم"، يريد جماعتهم وأصلهم، قال الأصمعي : بيضة الدار وسطها ومعظمها.

                                                                            وقوله: "أعطيت كنزين"، أراد كنوز كسرى من الذهب [ ص: 217 ] والفضة أفاء الله على أمته، وقيل: أراد العرب والعجم جمعهم على دينه ودعوته، كما جاء في الحديث: "بعثت إلى الأحمر والأسود "، يريد العرب والعجم.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية