الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            4039 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أبو معشر إبراهيم بن محمد بن الحسين الوراق الفيركي، نا أبو عبد الله محمد بن زكريا بن يحيى ، نا أبو الصلت، نا حماد بن زيد ، نا علي بن زيد ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري ، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد العصر، فصلى العصر يومئذ بنهار، فما ترك شيئا إلى يوم القيامة إلا ذكره في مقامه ذلك، حفظ من حفظ ونسي من نسي، ثم قال: "ألا إن هذه الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون، ألا فاتقوا الدنيا واتقوا النساء".

                                                                            وذكر أن لكل غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته في [ ص: 240 ] الدنيا، ولا غدر أكثر من غدر أمير العامة، يغرز لواؤه عند استه.

                                                                            قال: "ولا يمنعن أحدا منكم إن رأى منكرا أن يغيره هيبة الناس"، فبكى أبو سعيد الخدري ، وقال: قد رأيناه فمنعنا هيبة الناس أن نتكلم فيه.

                                                                            ثم قال: "وإن بني آدم خلقوا على طبقات شتى، فمنهم من يولد مؤمنا، ويحيا مؤمنا، ويموت كافرا، ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا، ويموت مؤمنا".

                                                                            قال: وذكر الغضب "فمنكم من يكون سريع الغضب، سريع الفيء، وإحداهما بالأخرى، ومنكم من يكون بطيء الغضب بطيء الفيء، فإحداهما بالأخرى، وخياركم من يكون بطيء الغضب سريع الفيء، وشراركم من [ ص: 241 ] يكون سريع الغضب، بطيء الفيء" ، وقال: "اتقوا الغضب فإنه جمرة على قلب ابن آدم " ألا ترون إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه، فمن أحس ذلك، فليضطجع، وليتلبد بالأرض ".

                                                                            قال: وذكر الدين، فقال: "منكم من يكون حسن القضاء، وإذا كان له، أفحش في الطلب، فإحداهما بالأخرى، ومنهم من يكون سيئ القضاء، وإن كان له أجمل في الطلب، فإحداهما بالأخرى، وخياركم من إذا كان عليه الدين، أحسن القضاء، وإن كان له، أجمل في الطلب، وشراركم من إذا كان عليه الدين، أساء القضاء، وإن كان له أفحش في الطلب" حتى إذا كانت الشمس على رأس النخل وأطراف الحيطان، فقال: "أما إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى منها، إلا كما بقي من يومكم هذا، ألا وإن هذه الأمة توفي سبعين أمة هي آخرها وأكرمها على الله عز وجل". [ ص: 242 ] .

                                                                            هذا حديث حسن ، وأبو الصلت: هو عبد السلام بن صالح بن سليمان بن ميسرة الهروي تكلموا فيه، قوله: "توفي سبعين أمة"، أي: هي تمام سبعين تم بهم عدد السبعين.

                                                                            وأخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري ، أنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز ، أنا محمد بن زكريا العذافري ، أنا إسحاق الدبري ، نا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن علي بن زيد بن جدعان، بإسناده مثل معناه، وقال: "إن الناس خلقوا على طبقات، فيولد الرجل مؤمنا، ويعيش مؤمنا، ويموت مؤمنا، ويولد الرجل كافرا، ويعيش كافرا، ويموت كافرا، ويولد الرجل مؤمنا، ويعيش مؤمنا، ويموت كافرا، ويولد الرجل كافرا، ويعيش كافرا، ويموت مؤمنا"، ثم قال في حديثه: "وما شيء أفضل من كلمة عدل تقال عند سلطان جائر"، قال: "وإنكم تتمون سبعين أمة أنتم آخرها، وأكرمها على الله".

                                                                            قال عبد الله بن مسعود : أنتم اليوم أكثر صلاة، وأشد عبادة [ ص: 243 ] من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا خيرا منكم، قيل: لم؟ قال: كانوا أزهد في الدنيا، وأرغب في الآخرة منكم.

                                                                            وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحد منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل.

                                                                            قال يحيى بن المتوكل : كنت أمشي مع سفيان الثوري ، فمررت برجل يبني بناء قد شيده، فقال لي: لا تنظر إليه، إنما بناه لينظر إليه.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية