الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب وعيد الظالم .

                                                                            قال الله سبحانه وتعالى: ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) وقال تبارك وتعالى: ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ) أي: لا تميلوا، [ ص: 354 ] ومنه قوله سبحانه وتعالى: ( لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ) ، وقال جل ذكره ( ومكروا مكرا ومكرنا مكرا ) ، والمكر من الله: هو استدراجهم من حيث لا يعلمون، والله سبحانه وتعالى يوصف بالمكر، ولا يوصف بالاحتيال، لأن المحتال من يقلب الفكرة ليهتدي إلى وجه ما يريد، والماكر الذي يستدرج، فيأخذ من وجه غفلة من المستدرج، قال الله سبحانه وتعالى: ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) ، وسئل ثابت البناني عن الاستدراج؟ فقال: مكر الله بالعباد المضيعين، وقيل: هو الأخذ على غرة، وقال سفيان في قوله سبحانه وتعالى: " ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) قال: يسبغ عليهم النعم، ويمنعهم الشكر "، وقال غيره: كلما أحدثوا ذنبا أحدثت لهم نعمة، ويشهد له قوله سبحانه وتعالى: ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ) .

                                                                            وقال الله سبحانه وتعالى: ( ودخل جنته وهو ظالم لنفسه ) إلى قوله ( ويرسل عليها حسبانا من السماء ) [ ص: 355 ] أي: عذابا، قال الأزهري : الحسبان المرامي الصغار، شبه ما يرسل الله عز وجل عليها من السماء من برد، أو حجارة بالحسبان، وقسي الحسبان معروفة.

                                                                            وقال الله سبحانه وتعالى: ( ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد ) أي: منها باد يرى، وحصيد قد ذهب فلم يبق له آثر، وقوله سبحانه وتعالى: ( حتى جعلناهم حصيدا ) أي: حصدوا بالسيف والموت، وقال سبحانه وتعالى: ( فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ) أي: لا أنيس فيها، يقال: خوت الدار تخوي خواية وخواء، وخوي الرجل، فهو خو: إذا خلا جوفه، وقوله سبحانه وتعالى: ( كأنهم أعجاز نخل خاوية ) هي التي انقلعت من أصولها فخوى منها مكانها، أي: خلا، والخواء: المكان الخالي، وقال سبحانه وتعالى: ( فقطع دابر القوم الذين ظلموا ) أي: استأصل الله شأفتهم، ودابرهم: أصلهم.

                                                                            وقوله سبحانه وتعالى: ( وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) أي: ما أصابك من أمر يسوءك [ ص: 356 ] فمن ذنب أذنبته نفسك، وقال الله سبحانه وتعالى: ( من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ) لفظه أمر، ومعناه الخبر، وتأويله أن الله سبحانه وتعالى جعل جزاء ضلالته أن يمده فيها، وإذا جاء الخبر في لفظ الأمر كان أوكد وألزم.

                                                                            وقوله سبحانه وتعالى: ( أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ) أي: ألم نبين لهم وراثتهم الأرض عن القوم المهلكين أنا لو نشاء، أصبناهم بذنوبهم، فأهلكناهم كما أهلكنا من ورثوا أرضه.

                                                                            4160 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا أحمد بن يونس ، نا عبد العزيز الماجشون، أنا عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الظلم ظلمات يوم القيامة".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته أخرجه مسلم ، عن محمد بن حاتم ، عن [ ص: 357 ] شبابة ، عن عبد العزيز الماجشون.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية