الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب فضل الله سبحانه وتعالى مع هذه الأمة.

                                                                            قال الله سبحانه وتعالى: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) ، وقال عز وجل: ( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ) ، يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم خلفوا سائر الأمم: وقيل: يخلف بعضكم بعضا.

                                                                            4017 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا قتيبة بن سعيد ، نا الليث ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: " إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم ما بين صلاة العصر إلى مغرب [ ص: 219 ] الشمس، وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا، فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟ فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر على قيراط قيراط؟ فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط، ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين؟ ألا فأنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس، ألا لكم الأجر مرتين، فغضبت اليهود والنصارى، فقالوا: نحن أكثر عملا وأقل عطاء، قال الله وهل ظلمتكم من حقكم شيئا؟ قالوا: لا، قال: فإنه فضلي أعطيه من شئت ".

                                                                            هذا حديث صحيح [ ص: 220 ] ذكر الخطابي على هذا الحديث كلاما معناه: أن هذا الحديث يروى على وجوه مختلفة في توقيت العمل من النهار وتقدير الأجرة، ففي هذه الرواية قطع الأجرة لكل فريق منهم قيراطا قيراطا، وتوقيت العمل عليهم زمانا زمانا، واستيفاؤه منهم وإيفاؤهم الأجرة، وفيه قطع الخصومة وزوال العتب عنهم، وإبراؤهم من الذنب، وهذا الحديث مختصر، وإنما اكتفى الراوي منه بذكر مثال العاقبة فيما أصاب كل واحدة من الفرق من الأجر.

                                                                            وقد روى محمد بن إسماعيل هذا الحديث بإسناده، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه وقال فيه: أوتي أهل التوراة التوراة، فعملوا حتى إذا انتصف النهار، عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا، وأوتي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا إلى صلاة العصر، ثم عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا، ثم أوتينا القرآن، فعملنا إلى غروب الشمس، فأعطينا قيراطين قيراطين " ، الحديث، فهذه الرواية تدل على أن مبلغ الأجرة لليهود لعمل النهار كله قيراطان، وأجرة النصارى النصف الباقي قيراطان، فلما عجزوا عن العمل قبل تمامه، لم يصيبوا إلا قدر عملهم، وهو قيراط، ثم إنهم لما رأوا المسلمين قد استوفوا قدر أجرة الفريقين حاسدوهم، فقالوا: نحن أكثر عملا وأقل أجرا.

                                                                            وقد روى أبو عبد الله هذه القصة من طريق أبي موسى الأشعري بزيادة بيان.

                                                                            4018 - أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، حدثني محمد بن العلاء ، نا أبو أسامة ، عن بريد ، عن أبي بردة ، [ ص: 221 ] عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل المسلمين، واليهود، والنصارى، كمثل رجل استأجر قوما يعملون له عملا يوما إلى الليل على أجر معلوم، فعملوا إلى نصف النهار"، فقالوا: لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا وما عملنا باطل، فقال لهم: لا تفعلوا أكملوا بقية عملكم، وخذوا أجركم كاملا، فأبوا وتركوا، واستأجر آخرين بعدهم، فقال: أكملوا بقية يومكم هذا، ولكم الذي شرطت لهم من الأجر، فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر "، قالوا: ما عملنا باطل، ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه، فقال: "أكملوا بقية عملكم، فإنما بقي من النهار شيء يسير، فأبوا، فاستأجر قوما أن يعملوا له بقية يومهم، فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس، واستكملوا أجر الفريقين كليهما، فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور".

                                                                            هذا حديث صحيح.

                                                                            فهذه الرواية ورواية سالم ، عن ابن عمر ، بخلاف رواية نافع من ذكر عجزهم وقولهم: لا حاجة لنا إلى أجرك، وهو إشارة على تحريفهم [ ص: 222 ] الكتب وتبديلهم الشرائع والملل، وانقطاع الطريق بهم عن بلوغهم الغاية، التي حددت لهم، فحرموا تمام الأجرة لجنايتهم حيث امتنعوا من إتمام العمل الذي ضمنوه، فكان الصحيح من هذه القصة هذا بدليل قوله: "هل ظلمتكم من حقكم شيئا"، ولو لم يكن صورة الأمر على هذا، لم يصح هذا الكلام.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية