الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            306 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، نا محمد بن إسماعيل، نا محمد بن مقاتل، أنا عبد الله، أنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: "ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها، ثم ما زلنا ننبذ فيه حتى صار شنا".

                                                                            هذا حديث صحيح.

                                                                            في قوله: "إنما حرم أكلها" مستدل لمن ذهب إلى أن ما عدا المأكول من أجزاء الميتة غير محرم الانتفاع به، كالشعر والسن والقرن ونحوها، واختلف فيها أهل العلم، فذهب قوم إلى أن هذه الأشياء فيها حياة تنجس بموت الحيوان كالجلد، وإذا دبغ جلد الميتة وعليه شعر، فالشعر لا يطهر بالدباغ، وهو قول الشافعي.

                                                                            وذهب قوم إلى أنه لا حياة في الشعر والريش، ولا ينجس بموت الحيوان، وجوزوا الصلاة فيها، وهو قول حماد، ومالك، وأصحاب الرأي، قال مالك: "لا بأس بالصلاة في صوف الميتة وشعرها إذا غسل، ولا خير [ ص: 102 ] في الصلاة على جلدها وإن دبغ"، ولم يجوز بيعها.

                                                                            وكل حيوان لا يؤكل لحمه، فذكاته كموته عند بعض أهل العلم، وبه قال الشافعي، وذهب قوم إلى أن جلده بعد الذكاة طاهر، وهو قول مالك، وأصحاب الرأي.

                                                                            والعظم عند بعضهم فيه حياة يموت بموت الحيوان، وينجس بنجاسة الأصل.

                                                                            فأما الحوت فميته حلال، فعظمه يكون طاهرا بعد الموت.

                                                                            وذهب جماعة إلى أنه لا حياة في العظم، ولا يحله الموت، وهو قول أصحاب الرأي، وجوزوا استعمال عظام الفيلة.

                                                                            قال الزهري في عظام الموتى: أدركت ناسا من سلف العلماء يمتشطون بها، ويدهنون فيها، لا يرون بأسا.

                                                                            قال ابن سيرين، وإبراهيم: لا بأس بتجارة العاج.

                                                                            واحتجوا بما روي عن ثوبان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "اشتر لفاطمة سوارين من عاج"، والمراد منه عند الآخرين: الذبل، وهو عظم سلحفاة البحر، لا عظام الفيلة.

                                                                            ولا تحريم في شيء من الأواني الطاهرة إلا الذهب والفضة، فقد صح عن عبيد الله بن زيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم "توضأ من ماء في تور من صفر". [ ص: 103 ] .

                                                                            وعن عائشة: "كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في تور من شبه".

                                                                            وعن أنس: "أتي النبي صلى الله عليه وسلم بمخضب من حجارة، فوضع يده فيه حتى توضؤوا". [ ص: 104 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية