الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            507 - أخبرنا أبو عثمان الضبي، أنا أبو محمد الجراحي، نا أبو العباس المحبوبي، نا أبو عيسى الترمذي، نا محمود بن غيلان، نا المقرئ، نا يحيى بن أيوب، عن زيد بن جبيرة، عن داود بن حصين، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى أن يصلي في سبع مواطن: في المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي معاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله ".

                                                                            قال أبو عيسى: ليس إسناده بذلك القوي، وقد تكلم في زيد بن جبيرة من قبل حفظه [ ص: 411 ] قلت: اختلف أهل العلم في الصلاة في المقبرة والحمام، فرويت الكراهية فيهما عن جماعة من السلف، وإليه ذهب أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، لظاهر الحديث، وإن كانت التربة طاهرة والمكان نظيفا، وقالوا: قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورا" فدل على أن محل القبر ليس بمحل للصلاة.

                                                                            ومنهم من ذهب إلى أن الصلاة فيها جائزة، إذا صلى في موضع نظيف منه.

                                                                            وروي أن عمر رأى أنس بن مالك يصلي عند قبر، فقال: القبر القبر.

                                                                            ولم يأمره بالإعادة، وحكي عن الحسن أنه صلى في المقابر.

                                                                            وعن مالك: لا بأس بالصلاة في المقابر.

                                                                            وتأويل الحديث هو أن الغالب من أمر الحمام قذارة المكان، ومن أمر المقابر اختلاط تربتها بصديد الموتى ولحومها، فالنهي لنجاسة [ ص: 412 ] المكان، فإن كان المكان طاهرا فلا بأس.

                                                                            قلت: وكذلك المزبلة، والمجزرة، وقارعة الطريق، فالنهي عن الصلاة فيها لنجاستها، وفي قارعة الطريق معنى آخر، وهو أن اختلاف المارة يشغله عن الصلاة.

                                                                            وأما فوق ظهر بيت الله، فلا تصح صلاته، إذا لم يكن بين يديه من بناء البيت شيء، فإن كان بين يديه من البناء قدر مؤخرة الرحل تجوز، وجوز أصحاب الرأي وإن لم يكن بين يديه شيء، كما لو صلى على أبي قبيس متوجها إلى هواء البيت يجوز.

                                                                            واحتج من جوز الصلاة في هذه المواضع إذا كان المكان طاهرا بما روي عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا".

                                                                            ويقال: حديث جابر إنما سيق لإظهار فضيلة هذه الأمة، حيث رخص لهم في الطهور بالأرض، والصلاة في المواضع التي لم تبن للصلاة من بقاعها، وكانت الأمم المتقدمة لا يصلون إلا في كنائسهم وبيعهم، فيجوز أن يدخل فيها التخصيص.

                                                                            ولو بنى مسجدا في الطريق، بحيث لا يضر بالناس، فلا بأس، وبه قال الحسن، وأيوب، ومالك، قالت عائشة، ثم بدا لأبي بكر، فابتنى مسجدا بفناء داره، فكان يصلي فيه. [ ص: 413 ] .

                                                                            ولا بأس بالصلاة في البيع، كان ابن عباس يصلي في البيعة إلا بيعة فيها تماثيل، فإن كان فيها تماثيل، خرج فصلى في المطر.

                                                                            وقال عمر: إنا لا ندخل كنائسهم من أجل التماثيل التي فيها الصورة.

                                                                            ويذكر أن عليا كان يكره الصلاة بخسف بابل.

                                                                            ولو صلى في مكان وبقربه نجاسة، فجائز إذا كان موضع صلاته طاهرا، صلى أبو موسى في دار البريد والسرقين والبرية إلى جنبه، فقال: ههنا وثم سواء. [ ص: 414 ] .

                                                                            وصلى ابن عمر على الثلج، ولم ير الحسن بأسا أن يصلي على الجمد والقناطر، وإن جرى تحتها بول.

                                                                            وصلى جابر، وأبو سعيد في السفينة قائما، وقال الحسن: قائما ما لم يشق على أصحابك تدور معها، وإلا فقاعدا. [ ص: 415 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية