الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            309 - أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، نا أبو العباس الأصم.

                                                                            ح وأخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، ومحمد بن أحمد العارف، قالا: أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، نا أبو العباس الأصم، أنا الربيع، أنا الشافعي، أنا إبراهيم بن محمد، عن عباد بن منصور، عن أبي رجاء العطاردي، [ ص: 111 ] عن عمران بن الحصين، "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا كان جنبا أن يتيمم، ثم يصلي، فإذا وجد الماء اغتسل".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن أبي الوليد، عن سلم بن زرير، وأخرجه مسلم، عن أحمد بن سعيد الدارمي، عن عبيد الله بن عبد المجيد، عن سلم بن زرير، عن أبي رجاء.

                                                                            وعمران بن الحصين أبو نجيد أبو الخزاعي الأزدي نزل البصرة.

                                                                            وأبو رجاء العطاردي: اسمه عمران بن ملحان، ويقال: عمران بن عبد الله، ويقال: عمران بن تيم البصري.

                                                                            وروي عن أبي ذر، قال: كانت تصيبني الجنابة فأمكث الخمس والست، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، وإذا وجد الماء فليمسه بشره". [ ص: 112 ] .

                                                                            قال الإمام رضي الله عنه: وفي حديث عمار دليل على أن مسح الوجه واليدين كاف للجنب كما يكفي للمحدث، فمسح الوجه واليدين بالتراب تارة يكون بدلا عن غسل أعضاء الوضوء في حق المحدث، وتارة يكون بدلا عن غسل جميع البدن في حق الجنب، والحائض، والميت، عند العجز عن استعمال الماء لعدم، أو مرض يخاف منه الهلاك أو زيادة المرض، وتارة يكون بدلا عن غسل لمعة من بدنه بأن كان على عضو من أعضاء طهارته جرح يخاف من إيصال الماء إليه الهلاك، أو تلف العضو، أو زيادة الوجع، فعليه أن يغسل الصحيح من أعضائه، ويتيمم بالتراب على الوجه واليدين بدلا عن غسل موضع الجرح.

                                                                            وإذا ضرب يده على التراب، فعلق بها تراب كثير، فلا بأس أن ينفخ فيها حتى يخف ما عليها من التراب، كما جاء في الحديث، فلو أزال بالنفخ جميع ما عليها من التراب لم يصح تيممه عند بعض أهل العلم، وهو قول الشافعي، وذهب بعضهم إلى أنه يجوز، وهو قول أصحاب الرأي، حتى قالوا: لو ضرب يده على صخرة صماء لا غبار عليها، فمسح وجهه ويديه جاز، والأول أولى، لقوله سبحانه وتعالى: [ ص: 113 ] ( فتيمموا صعيدا طيبا ) ، قال ابن عباس: " الصعيد: هو التراب ".

                                                                            وروي عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء".

                                                                            خص التراب بكونه طهورا، وعن هذا قال الشافعي: "لا يصح التيمم بالزرنيخ، والنورة، والجص، ونحوه، إنما يجوز بما يقع عليه اسم التراب من كل أرض سبخها ومدرها وبطحائها وغيره مما يعلق باليد منه غبار".

                                                                            وجوز أصحاب الرأي التيمم بالزرنيخ والجص والنورة وغيرها من طبقات الأرض، لما روي عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "جعلت الأرض مسجدا وطهورا"، وهذا الحديث مجمل، وحديث حذيفة مفسر، والمفسر من الحديث يقضي على المجمل.

                                                                            وفي حديث عمار دليل على أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، [ ص: 114 ] وهو قول علي، وابن عباس، وعمار، ومن التابعين قول الشعبي، وعطاء بن أبي رباح، ومكحول، وبه قال الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وجماعة من أصحاب الحديث.

                                                                            وما روي عن عمار، أنه قال: "تيممنا إلى المناكب" فهو حكاية فعله، لم ينقله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الإمام: كما حكى عن نفسه التمعك في حال الجنابة، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره بالوجه والكفين انتهى إليه، وأعرض عن فعله.

                                                                            وذهب جماعة إلى أن التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، وهو قول عبد الله بن عمر، وجابر، ومن التابعين قول سالم بن عبد الله بن عمر، والحسن، وإبراهيم النخعي، وبه قال مالك، وسفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأصحاب الرأي، واحتجوا بحديث ابن الصمة، وهو ما.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية