الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            326 - أخبرنا عمر بن عبد العزيز، أخبرنا القاسم بن جعفر الهاشمي، أنا أبو علي اللؤلؤي، نا أبو داود، حدثنا زهير بن حرب، وغيره، قالا: نا عبد الملك بن عمرو، نا زهير بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، عن عمه عمران بن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش، قالت: " كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما ترى فيها؟ قد منعتني الصلاة والصوم، قال: "أنعت لك الكرسف، فإنه يذهب الدم"، قالت: هو أكثر من ذلك، قال: "فاتخذي ثوبا"، قالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر، فإن قويت عليهما، فأنت أعلم"، قال لها: "إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان، فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت، واستنقأت فصلي ثلاثا وعشرين ليلة، أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها، وصومي، فإن ذلك يجزئك، [ ص: 149 ] وكذلك افعلي كل شهر كما تحيض النساء، وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهن، فإن قويت على أن تؤخري الظهر، وتعجلي العصر، فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر، وتؤخرين المغرب، وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الفجر، فافعلي، وصومي إن قدرت على ذلك"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وهذا أعجب الأمرين إلي"، هذا حديث حسن، [ ص: 150 ] وأخبر بهذا الحديث عبد الوهاب الكسائي، أنا عبد العزيز الخلال، نا أبو العباس الأصم، أنا الربيع، أنا الشافعي، أنا إبراهيم بن محمد، حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، عن عمه عمران بن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش، إلى قوله: " ميقات حيضهن وطهرهن.

                                                                            وذكر الشافعي في كتابه تمام هذا الحديث، فظن الناقل تلك الزيادة من كلامه، فلم ينقلها في الحديث.

                                                                            الكرسف: القطن.

                                                                            وقولها: "أثج ثجا" من الماء الثجاج وهو السائل.

                                                                            وفي رواية قال لها: "تلجمي" قالت: هو أكثر من ذلك.

                                                                            وقوله: "تلجمي" أي: شدي لجاما، وهو شبيه بقوله: [ ص: 151 ] "استثفري".

                                                                            وقوله: "تحيضي" أي: اقعدي أيام حيضك، ودعي الصلاة والصوم.

                                                                            قال الإمام: واختلف أهل العلم في حال حمنة، منهم من قال: كانت مبتدأة استحيضت، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غالب عادات نساء عشيرتها.

                                                                            وقوله: "تحيضي ستة أيام أو سبعة" ليس على وجه التخيير، بل على معنى اعتبار حالها بحال من هي مثلها، وفي مثل سنها من نساء أهل بيته، فإن كانت عادة مثلها ستا، قعدت ستا، وإن كانت سبعا فسبعا.

                                                                            وقيل: كانت حمنة معتادة نسيت أن عادتها كانت ستا أو سبعا، فأمرها أن تتحرى وتجتهد، وتبني أمرها على ما تيقنت من أحد العددين، بدليل قوله: "في علم الله" أي: فيما علم الله من أمرك من ستة أو سبعة.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية