الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            435 - أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي، أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي، حدثنا أبو العباس المحبوبي، نا أبو عيسى الترمذي، نا هناد، ويوسف بن عيسى، قالا: نا وكيع، عن أبي هلال، عن سوادة بن حنظلة، عن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال، ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الأفق".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه مسلم، عن أبي الربيع الزهراني، عن حماد بن زيد، عن عبد الله بن سوادة، عن أبيه.

                                                                            وأراد بالمستطير: المنتشر المعترض في الأفق، وقوله سبحانه وتعالى: ( كان شره مستطيرا ) أي: طويلا.

                                                                            قلت: فيه دليل على أن أذان الصبح محسوب قبل طلوع الفجر، ولا يعيد، وهو قول مالك، والأوزاعي، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.

                                                                            وقال قوم: لا يحسب، ويعيد بعد طلوع الفجر، وبه قال سفيان الثوري، وأبو حنيفة. [ ص: 301 ] .

                                                                            أما سائر الصلوات والجمعة، فلا يحسب أذانها قبل دخول أوقاتها، روي عن جابر بن سمرة، أن بلالا كان يؤذن الظهر إذا دحضت الشمس.

                                                                            قال مالك: لم يزل الصبح ينادى لها قبل الفجر، فأما غيرها من الصلوات، فلم نرها ينادى لها إلا بعد أن يحل وقتها.

                                                                            قلت: ويستحب أن يكون مؤذنان، أحدهما يؤذن قبل الفجر، والآخر بعده، كما كان للنبي صلى الله عليه وسلم، ويذكر أن قوما اختلفوا في الأذان، وأقرع سعد بن أبي وقاص بينهم.

                                                                            قلت: والفجر فجران: الكاذب، والصادق، فالكاذب يطلع أولا مستطيلا يصعد إلى السماء، تسميه العرب: ذنب السرحان، فبطلوعه لا يدخل وقت الصبح، ولا يحرم الطعام والشراب على الصائم، ثم يغيب ذلك، فيطلع الصادق معترضا، ينتشر في الأفق، فبطلوعه يدخل وقت صلاة الصبح، ويحرم الطعام والشراب على الصائم.

                                                                            وإذا أذن رجل، فهو أولى بالإقامة، وإذا أذن اثنان، فأولهما أذانا أولاهما بالإقامة، روي عن زياد بن الحارث الصدائي، قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أؤذن في صلاة الفجر، فأذنت، فأراد بلال أن يقيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أخا صداء قد أذن، ومن [ ص: 302 ] أذن فهو يقيم".

                                                                            وفي إسناده ضعف، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، أن من أذن فهو أولى بالإقامة.

                                                                            وروي أن عبد الله بن زيد الذي أري الأذان في المنام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألقه على بلال" فألقاه عليه، فأذن، فقال عبد الله: أنا رأيته، وأنا كنت أريده، قال: فأقم أنت.

                                                                            وقال مالك: إقامته وإقامة غيره سواء. [ ص: 303 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية