الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            442 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أنا [ ص: 317 ] أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، وإسحاق أبي عبد الله، أنهما أخبراه أنهما، سمعا أبا هريرة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ثوب بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وائتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا، فإن أحدكم في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة".

                                                                            هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم، عن قتيبة، وابن حجر وغيرهما، عن إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه.

                                                                            وقوله: "إذا ثوب بالصلاة" أراد الإقامة، وكل داع مثوب، قلت: المراد من السعي المذكور في الحديث الإسراع، وأما قوله سبحانه وتعالى في الجمعة: ( فاسعوا إلى ذكر الله ) فالمراد منه: الفعل.

                                                                            روي أن مالكا سأل ابن شهاب، عن قول الله عز وجل ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) قال ابن شهاب: كان عمر بن الخطاب يقرؤها "فامضوا إلى ذكر الله"، قال مالك: وإنما السعي في كتاب [ ص: 318 ] الله: العمل والفعل، لا السعي على الأقدام، يقول الله سبحانه وتعالى: ( وإذا تولى سعى في الأرض ) ، ( إن سعيكم لشتى ) ، والسعي قد يكون مشيا، كقوله: ( فاسعوا إلى ذكر الله ) وقد يكون عدوا، كقوله تبارك وتعالى: ( وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى ) أي: يشتد ويعدو، ويكون عملا كقوله: ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) أي: عمل، ويكون تصرفا، كقوله سبحانه وتعالى: ( فلما بلغ معه السعي ) أي: أدرك التصرف في الأمور. [ ص: 319 ] .

                                                                            واختلف أهل العلم فيمن يخاف فوت التكبيرة الأولى، منهم من قال: يسرع، حتى قال بعضهم: يهرول، روي عن ابن عمر، أنه سمع الإقامة وهو بالبقيع، فأسرع المشي إلى المسجد، وقال إبراهيم: رأيت الأسود بن يزيد يهرول إلى المسجد.

                                                                            ومنهم من كره الإسراع، واختار أن يمشي على وقار، وبه قال أحمد وإسحاق لحديث أبي هريرة، وروي عن إسحاق، لا بأس أن يسرع إن خاف فوت التكبيرة الأولى.

                                                                            وقوله: "وما فاتكم فأتموا" هكذا روى الزبيدي، وابن أبي ذئب، وإبراهيم بن سعد، وشعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، كما رواه معمر، وكذا رواه الأعرج، عن أبي هريرة، وكذا رواه ابن مسعود، وأبو قتادة، وأنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "فأتموا".

                                                                            وقال ابن عيينة، عن الزهري وحده "فاقضوا". [ ص: 320 ] .

                                                                            وفيه دليل على أن الذي يدركه المسبوق من صلاة إمامه هو أول صلاته، وإن كان آخر صلاة الإمام، لأن الإتمام يقع على باقي شيء تقدم أوله، وهو مذهب علي، وأبي الدرداء، وبه قال سعيد بن المسيب، والحسن البصري، ومكحول، وعطاء، وإليه ذهب الزهري، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق.

                                                                            وذهب مجاهد، وابن سيرين، إلى أن الذي أدرك آخر صلاته، وما يقضيه بعده أولها، وبه قال سفيان الثوري، وأحمد، وأصحاب الرأي، واحتجوا بما روي في هذا الحديث "وما فاتكم فاقضوا"، وأكثر الرواة على ما قلنا.

                                                                            ومن روى "فاقضوا" فقد يكون القضاء بمعنى الأداء والإتمام، كقوله سبحانه وتعالى: ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا ) وكقوله عز وجل: ( فإذا قضيتم مناسككم ) وليس المراد منه قضاء شيء فائت، فكذلك المراد من قوله: "فاقضوا" أي: أدوه في تمام. [ ص: 321 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية