الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب أحكام المياه.

                                                                            قال الله سبحانه وتعالى: ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا ) ، والطهور: هو المطهر.

                                                                            281 - أخبرنا الإمام أبو منصور محمد بن أسعد، نا الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود، أنا أبو الحسن الشيرزي، أنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة، من آل بني الأزرق، أن المغيرة بن أبي بردة، وهو من بني عبد الدار، أخبره، أنه سمع أبا هريرة، يقول: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته". [ ص: 56 ] .

                                                                            هذا حديث حسن صحيح.

                                                                            ويروى: "إنا نركب أرماثا لنا في البحر"، والأرماث: جمع الرمث، وهي خشب يضم بعضها إلى بعض، ويشد ثم يركب.

                                                                            قال الإمام رضي الله عنه: في هذا الحديث فوائد، منها: أن التوضؤ بماء البحر يجوز مع تغير طعمه ولونه، وهو قول أكثر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وعامة العلماء، وروي عن ابن عمر، وعبد الله بن عمرو "كراهية الوضوء بماء البحر".

                                                                            وكذلك كل ما نبع من الأرض، على أي لون وطعم كان، جاز الوضوء به، وكذلك ما تغير بطول المكث في المكان.

                                                                            وفيه دليل على أن الطهور هو المطهر، لأنهم سألوا عن تطهير ماء البحر، لا عن طهارته، ولولا أنهم عرفوا من الطهور المطهر، لكان لا يزول إشكالهم بقوله: "هو الطهور ماؤه".

                                                                            وذهب أصحاب الرأي إلى أن الطهور هو الطاهر في قوله سبحانه وتعالى: ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا ) حتى جوزوا إزالة النجاسة بالمائعات الطاهرة، مثل الخل، وماء الورد، والريق، ونحوها، وجوز الأصم الوضوء بها.

                                                                            وعند بعضهم: الطهور: ما يتكرر منه التطهير، كالصبور: اسم لمن [ ص: 57 ] يتكرر منه الصبر، وكالشكور: اسم لمن يتكرر منه الشكر والصبر.

                                                                            وهو قول مالك، ولهذا جوز الوضوء بالماء المستعمل.

                                                                            وفيه دليل على أن حكم جميع أنواع حيوان البحر إذا ماتت سواء في الحل، وهو ظاهر القرآن، قال الله سبحانه وتعالى: ( أحل لكم صيد البحر ) [ ص: 58 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية