الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            439 - أخبرنا عمر بن عبد العزيز الفاشاني، أنا القاسم بن جعفر الهاشمي، أنا أبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي، نا أبو داود، نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح الأنصاري، نا أبو قتادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان في سفر له، فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وملت معه، فقال: "انظر"، فقلت: هذا راكب، هذان راكبان، هؤلاء ثلاثة، حتى صرنا سبعة، فقال: "احفظوا علينا صلاتنا" يعني صلاة الفجر، فضرب على آذانهم، فما أيقظهم إلا حر الشمس، فقاموا، فساروا هنية، ثم نزلوا، فتوضؤوا، وأذن بلال، فصلوا ركعتي الفجر، ثم صلوا الفجر وركبوا، فقال بعضهم لبعض: قد فرطنا في صلاتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه لا تفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة، فإذا سها أحدكم عن صلاة، فليصلها حين يذكرها، ومن الغد للوقت". [ ص: 309 ] .

                                                                            هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم، عن شيبان بن فروخ، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت.

                                                                            قوله: "ومن الغد للوقت"، قال الخطابي: لا أعلم أحدا من الفقهاء قال بها وجوبا، ويشبه أن يكون الأمر بها استحبابا ليحوز فضيلة الوقت في القضاء، والله أعلم.

                                                                            قلت: يحتمل أن يكون معنى قوله: "ومن الغد للوقت" أي: ليصل صلاة الغد في وقتها، معناه: أن ما بعد الوقت عند النوم وقت لهذه الصلاة دون صلاة الغد، فليصل صلاة الغد في وقتها المشروع.

                                                                            وقوله: "فضرب على آذانهم" كلمة فصيحة من كلام العرب، معناه: أنه حجب الصوت والحس أن يدخلا آذانهم فينتبهوا، ومنه قوله سبحانه وتعالى: ( فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ) .

                                                                            قلت: الأذان والإقامة مشروعان للفرائض الخمس إذا أديت في أوقاتها، والأذان من شعار دين الإسلام، فلو اجتمع أهل بلد على تركه كان للسلطان قتالهم عليه، لما روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا غزا قوما لم يكن يغير عليهم حتى يصبح فينظر، فإن سمع [ ص: 310 ] أذانا كف عنهم، وإن لم يسمع أغار عليهم".

                                                                            وإذا صلى بلا أذان ولا إقامة حضرا أو سفرا، فلا إعادة عليه عند أكثر أهل العلم، وقال عطاء ومجاهد فيمن نسي الإقامة: إنه يعيد الصلاة.

                                                                            وقال الأوزاعي: من نسيهما، فإن كان في الوقت أعاد، وإلا فلا.

                                                                            قلت: اختلف أهل العلم في الأذان للفائتة مع اتفاقهم على أنه يقيم لها، فأظهر أقوال الشافعي، أنه يقيم لها، وإذا فاتته صلوات، وقضاهن على التوالي، أقام لكل واحدة منها، لحديث أبي سعيد الخدري.

                                                                            وقال قوم: يؤذن للفائتة ويقيم، وبه قال أحمد، وأصحاب الرأي، لحديث أبي قتادة، وإذا فاتته صلوات، فقضاهن على التوالي، أذن وأقام للأولى، وأقام للأخريات.

                                                                            وفي حديث أبي سعيد دليل على أن الفوائت تقضى مرتبة، واختلف فيه أهل العلم، فذهب قوم إلى أنه لا يجب الترتيب في قضائها، وهو قول الشافعي.

                                                                            وذهب قوم إلى أنه يجب الترتيب، وهو قول أصحاب الرأي. [ ص: 311 ] .

                                                                            وفي خبر أبي هريرة دليل على أن من فاتته صلاة من غير تفريط منه، جاز تأخير قضائها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يقتادوا عن موضع الفوت.

                                                                            واختلفوا في معنى مفارقة ذلك المكان، فمن لم يجوز قضاء الفائتة في الوقت المنهي عن الصلاة فيه، قال: إنما فعل ذلك لترتفع الشمس، فيخرج وقت الكراهية، ومن يجوز، وعليه الأكثرون، قال: معناه: أنه أراد أن يتحول عن المكان الذي أصابتهم فيه هذه الغفلة والنسيان.

                                                                            وقد روى أبان العطار، عن معمر، عن الزهري في الحديث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه هذه الغفلة".

                                                                            وفي رواية أبي حازم، عن أبي هريرة: "ليأخذ كل واحد برأس راحلته، فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان".

                                                                            قلت: ولا أذان ولا إقامة لشيء من الصلوات سوى الفرائض الخمس، لأنه لم يؤذن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لغيرها [ ص: 312 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية