الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب كراهية البيع والشراء في المسجد.

                                                                            485 - أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي، أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي، حدثنا أبو العباس المحبوبي، نا أبو عيسى الترمذي، نا قتيبة، نا الليث، عن ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، "نهى عن تناشد الأشعار في المسجد، وعن البيع والاشتراء فيه، وأن يتحلق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة".

                                                                            وزاد يحيى، عن ابن عجلان: "وأن ينشد فيه ضالة، وأن ينشد فيه الشعر"، قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن عمرو، حديث حسن.

                                                                            وعمرو بن شعيب: هو ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص.

                                                                            قال محمد بن إسماعيل: رأيت أحمد، وإسحاق، وذكر غيرهما، يحتجون [ ص: 373 ] بحديث عمرو بن شعيب، وقد سمع شعيب بن محمد، عن عبد الله بن عمرو.

                                                                            وقد كره قوم من أهل العلم البيع والشراء في المسجد، وبه يقول أحمد، وإسحاق، ورخص فيه بعض التابعين، وروي عن عطاء بن يسار، أنه كان إذا مر عليه بعض من يبيع في المسجد قال: عليك بسوق الدنيا، فإنما هذا سوق الآخرة.

                                                                            وقال سالم بن عبد الله: بنى عمر بن الخطاب رحبة إلى جنب المسجد سماها البطيحاء، وقال: من أراد أن يلغط، أو ينشد شعرا، أو يرفع صوتا، فليخرج إلى هذه الرحبة. [ ص: 374 ] .

                                                                            وقد وردت الرخصة عن النبي صلى الله عليه وسلم في إنشاد الشعر الحسن في المسجد، روي عن سعيد بن المسيب: مر عمر في المسجد، وحسان ينشد الشعر، فقال: كنت أنشد فيه، وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة، فقال: أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "أجب عني، اللهم أيده بروح القدس"؟ قال: نعم.

                                                                            وفي الحديث كراهية التحلق والاجتماع يوم الجمعة قبل الصلاة، لمذاكرة العلم، بل يشتغل بالذكر، والصلاة، والإنصات للخطبة، ثم لا بأس بالاجتماع والتحلق بعد الصلاة في المسجد وغيره.

                                                                            وأما طلب الضالة في المسجد، ورفع الصوت بغير الذكر، فمكروه، روي عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد، فليقل: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا ". [ ص: 375 ] .

                                                                            وروي عن أبي هريرة أيضا، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا رأيتم من يبيع، أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك ".

                                                                            وروي أن عمر، قال لرجلين من أهل الطائف رفعا أصواتهما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله؟!".

                                                                            وروي أن عمر سمع صوت رجل في المسجد، فقال: "أتدري أين أنت؟!".

                                                                            قال أبو سليمان الخطابي: ويدخل في هذا كل أمر لم يبن له المسجد، من أمور معاملات الناس، واقتضاء حقوقهم، وقد كره بعض السلف المسألة في المسجد، وكان بعضهم لا يرى أن يتصدق على السائل المتعرض في المسجد. [ ص: 376 ] .

                                                                            وورد النهي عن إقامة الحدود في المساجد.

                                                                            قال عمر فيمن لزمه حد: أخرجاه من المسجد، ويذكر عن علي نحوه.

                                                                            وقال معاذ بن جبل: إن المساجد طهرت من خمس: من أن تقام فيها الحدود، أو يقتص فيها الجراح، أو ينطق فيها بالأشعار، أو ينشد فيها الضالة، أو تتخذ سوقا.

                                                                            ولم ير بعضهم بالقضاء في المسجد بأسا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، لاعن بين العجلاني وامرأته في المسجد، ولاعن عمر عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقضى شريح، والشعبي، ويحيى بن يعمر في المسجد.

                                                                            وكان الحسن وزرارة بن أوفى يقضيان في الرحبة خارجا من المسجد. [ ص: 377 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية