الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            349 - أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو بكر الحيري، أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي، حدثنا عبد الله بن هاشم، حدثنا وكيع، نا بدر بن عثمان، نا أبو بكر بن أبي موسى الأشعري، [ ص: 184 ] عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن سائلا أتاه، فسأله عن مواقيت الصلاة، قال: فلم يرد عليه شيئا، ثم أمر بلالا، فأقام الصلاة حين انشق الفجر فصلى، ثم أمره فأقام الظهر، والقائل يقول: قد زالت الشمس، أو لم تزل، وهو كان أعلم منهم، وأمره فأقام العصر والشمس مرتفعة، وأمره فأقام المغرب حين وقعت الشمس، وأمره فأقام العشاء حين سقوط الشفق.

                                                                            قال: وصلى الفجر من الغد، والقائل يقول: طلعت الشمس، ولم تطلع، وصلى الظهر قريبا من وقت العصر بالأمس، وصلى العصر، والقائل يقول: قد احمرت الشمس، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء ثلث الليل الأول، ثم قال: "أين السائل عن الوقت؟ الوقت ما بين هذين الوقتين وقت".


                                                                            هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، وفيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص. [ ص: 185 ] .

                                                                            وأبو بكر بن أبي موسى: اسمه وكنيته واحد، ويقال: اسمه عمرو بن عبد الله بن قيس.

                                                                            قلت: اختلف أهل العلم في المواقيت، فذهب مالك، والأوزاعي، وسفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، إلى أن وقت الظهر يمتد من وقت الزوال إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، ثم يدخل وقت العصر.

                                                                            وقال ابن المبارك وإسحاق: آخر وقت الظهر أول وقت العصر، فبقدر أربع ركعات من أول وقت العصر وقت للصلاتين جميعا.

                                                                            وقال مالك، ومحمد بن جرير: بعد ما صار ظل كل شيء مثله، إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه وقت للصلاتين، لأن محمدا صلى الله عليه وسلم صلى الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى العصر في اليوم الأول، وهو عند الأكثرين على التعاقب، لا أنه صلاهما في وقت واحد، فصلى العصر في اليوم الأول، وابتداؤه يلي مصير ظل كل شيء مثله، وصلى الظهر في اليوم الثاني، وانتهاؤه يلي مصير ظل كل شيء مثله.

                                                                            وقال أبو حنيفة: يمتد وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه، ثم يدخل العصر.

                                                                            ووقت العصر يمتد إلى اصفرار الشمس عند الأوزاعي، والثوري، وأحمد، وأبي يوسف، ومحمد، وقال بعضهم: إلى مغيب الشمس.

                                                                            وقال الشافعي: آخر وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه لمن لا عذر له في الاختيار، وفي حق المعذور، مغيب الشمس. [ ص: 186 ] .

                                                                            أما المغرب، فقد أجمعوا على أن وقتها بغروب الشمس، واختلفوا في آخر وقتها، فذهب مالك، وابن المبارك، والأوزاعي، والشافعي في أظهر قوليه إلى أن لها وقتا واحدا، قولا بظاهر خبر ابن عباس.

                                                                            وذهب الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي إلى أن وقت المغرب يمتد إلى غيبوبة الشفق، قلت وهذا هو الأصح، لأن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلاها في وقتين، كما رويناه من حديث أبي موسى الأشعري، ورواه أيضا بريدة الأسلمي، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبو هريرة.

                                                                            أما العشاء، فاتفقوا على أن وقتها يدخل بغيبوبة الشفق، غير أنهم اختلفوا في الشفق الذي يدخل بغيبوبته وقت العشاء، فذهب عمر، وابن عمر، وابن عباس، وعبادة بن الصامت، وشداد بن أوس، إلى أنه الحمرة، وهو قول مكحول، وطاوس، وبه قال مالك والثوري، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وروي عن أبي هريرة أنه البياض الذي عقيب الحمرة، وبه قال عمر بن عبد العزيز، وإليه ذهب الأوزاعي، وأبو حنيفة. [ ص: 187 ] .

                                                                            ويمتد وقت اختيار العشاء إلى ثلث الليل، يروى ذلك عن عمر، وأبي هريرة، وبه قال عمر بن عبد العزيز، وإليه ذهب الشافعي.

                                                                            وقال الثوري، وابن المبارك، وإسحاق، وأصحاب الرأي: يمتد إلى نصف الليل.

                                                                            قلت: ولا يفوت وقتها، حتى تصير قضاء عند الأكثرين، ما لم يطلع الفجر الصادق.

                                                                            وأما صلاة الصبح، فيدخل وقتها بطلوع الفجر الصادق، ويمتد وقتها إلى طلوع الشمس عند الأكثرين، وبه قال مالك، وأحمد، وإسحاق، وقال الشافعي: آخر وقتها الإسفار لمن لا عذر له، وفي حق المعذور يمتد إلى طلوع الشمس [ ص: 188 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية