الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب المساجد في البيوت وتنظيفها.

                                                                            498 - أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشميهني، أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث، أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي الباباني، أنا عبد الله بن محمود، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الخلال، نا عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن الزهري، أخبره، قال: حدثني محمود بن الربيع، زعم أنه عقل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعقل مجة مجها من دلو كانت في دارهم، قال: سمعت عتبان بن مالك الأنصاري، ثم أحد بني سالم يقول: كنت أصلي لقومي بني سالم، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: إني قد أنكرت بصري، وإن السيول تحول بيني وبين مسجد قومي، فلوددت أنك جئت فصليت في بيتي مكانا أتخذه مسجدا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفعل إن شاء الله"، قال: فغدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر معه بعد ما اشتد النهار، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم، فأذنت له، فلم [ ص: 395 ] يجلس حتى قال: "أين تحب أن أصلي من بيتك"، فأشرت له إلى المكان الذي أحب أن يصلي فيه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصففنا خلفه، ثم سلم وسلمنا حين سلم، فحبسناه على خزير صنع له، فسمع به أهل الدار، فثابوا حتى امتلأ البيت، فقال رجل: أين مالك بن الدخشم؟ قال رجل منا: ذلك رجل منافق لا يحب الله ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ألا تقولونه يقول: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله "، قال: أما نحن، فنرى وجهه وحديثه إلى المنافقين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضا: " ألا تقولونه يقول: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله؟ "، قال: بلى أري يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لن يوافي عبد يوم القيامة وهو يقول: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله إلا حرم الله عليه النار "، قال محمود: فحدثت قوما فيهم أبو أيوب الأنصاري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوته التي توفي فيها مع يزيد بن معاوية، فأنكر ذلك علي، وقال: ما أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما قلت قط، فكبر ذلك [ ص: 396 ] علي، فجعلت لله علي إن سلمني الله حتى أقفل من غزوتي أن أسأل عنها عتبان بن مالك إن وجدته، فأهللت من إيلياء بحج، أو عمرة حتى قدمت المدينة، فأتيت بني سالم، فإذا عتبان بن مالك شيخ كبير، قد ذهب بصره، وهو إمام قومه، فلما سلم من صلاته، جئته فسلمت عليه، وأخبرته من أنا، فحدثني به، كما حدثني به أول مرة ".

                                                                            قال الزهري: ولكنا لا ندري أكان هذا قبل أن ينزل موجبات الفرائض في القرآن، فإن الله أوجب على أهل هذه الكلمة التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرائض في كتابه، فنحن نخاف أن يكون الأمر قد صار إليها، فمن استطاع أن لا يغتر فلا يغتر.

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجاه من طرق، عن الزهري. [ ص: 397 ] .

                                                                            يقال: الخزيرة بالخاء والزاء المعجمتين من النخالة، والحريرة غير المعجمتين من اللبن والدقيق.

                                                                            وفي حديث عمر: ذري وأنا أحر لك، يقول: ذري الدقيق لأتخذ لك حريرة، وقال القتيبي: الخزيرة: لحم يقطع صغارا، ويصب عليه ماء كثير، فإذا نضج ذر عليه الدقيق، فإذا لم يكن فيها لحم، فهي عصيدة، وقد جاء في حديث أم سليم، أنها جعلت له خطيفة، والخطيفة: لبن يذر عليه دقيق، فيطبخ فيلعقها الناس ويختطفونها.

                                                                            قوله: فسمع به أهل الدار، يريد: أهل المحلة، كما قال: "خير دور الأنصار بنو النجار"، وكما جاء: أمر ببناء المساجد في الدور، يريد المحال التي فيها الدور، ومنه قوله: ( سأريكم دار الفاسقين ) . [ ص: 398 ] .

                                                                            وفيه استحباب تأخي الصلاة في المواضع التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال موسى بن عقبة: رأيت سالم بن عبد الله يتحرى أماكن من الطريق، فيصلي فيها، ويحدث أن أباه كان يصلي فيها، وأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في تلك الأمكنة.

                                                                            وفيه أن الموضع الذي اتخذه في بيته مصلى لا يخرج عن ملكه، وفيه أن النهي عن إيطان الرجل مكانا يصلي فيه إنما هو في المساجد دون البيوت.

                                                                            قلت: وقد احتج محمد بن إسماعيل على صحة سماع الصغير بقول محمود بن الربيع، قال: عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو. [ ص: 399 ] .

                                                                            قوله: مجها، أي: صبها، ولا يكون مجا حتى يباعد به.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية