الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          معلومات الكتاب

                                                                          تهذيب الكمال في أسماء الرجال

                                                                          المزي - جمال الدين أبو الحجاج المزي

                                                                          صفحة جزء
                                                                          [ ص: 326 ] من اسمه خليل

                                                                          1725 - (فق) : الخليل بن أحمد الأزدي الفراهيدي، ويقال الباهلي، أبو عبد الرحمن البصري النحوي صاحب العروض وصاحب كتاب "العين" في اللغة .

                                                                          روى عن : أيوب السختياني وعاصم الأحول ، وعثمان بن حاضر (فق) والعوام بن حوشب ، وغالب القطان .

                                                                          روى عنه : أيوب بن المتوكل البصري القارئ ، وبدل بن المحبر ، وحماد بن زيد ، وداود بن المحبر ، وسيبويه وهو أبو بشر عمرو بن [ ص: 327 ] عثمان بن قنبر النحوي البصري ، وعبد الملك بن قريب الأصمعي ، وعلي بن نصر الجهضمي الكبير ، وعون بن عمارة ، والمؤرج بن عمرو السدوسي ، وموسى بن أيوب ، والنضر بن شميل ، وهارون بن موسى النحوي الأعور (فق) ووهب بن جرير بن حازم ، ويزيد بن مرة الذارع .

                                                                          قال أبو بكر بن أبي خيثمة : أول من سمي في الإسلام أحمد أبو الخليل بن أحمد العروضي.

                                                                          وقال أبو عبيد الآجري : سمعت أبا داود ، قال : قال حماد بن زيد : كان الخليل بن أحمد يرى رأي الإباضية حتى من الله عليه بمجالسة أيوب.

                                                                          قال أبو داود : قال فلان : ما رأيت الإباضية أكثر منهم في جنازة أم الخليل.

                                                                          وقال أبو داود المصاحفي ، عن النضر بن شميل : ما رأيت أحدا يطلب إليه ما عنده أشد تواضعا منك يا خليل بن أحمد، لا ابن عون ولا غيره.

                                                                          وقال : قال النضر : ليس شيء ينظر الناس بعقولهم إلا كان استقام عند الخليل.

                                                                          وقال أيضا عن النضر : وأنت لم تر الخليل، لو رأيته ورأيت تسهيله وتجويزه للكلام لم تقل ذا.

                                                                          [ ص: 328 ] وقال عبد الله بن أبي سعد الوراق : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة المروزي، قال : حدثنا النضر بن شميل، قال : حدثنا الخليل بن أحمد، قال : لحن أيوب السختياني في حرف فقال : أستغفر الله.

                                                                          وقال أحمد بن سفيان الطائي : حدثنا يعقوب بن إسحاق الأصبهاني، قال : قال الخليل بن أحمد : الناس أربعة : فرجل يدري وهو يدري أنه يدري فذاك عالم فخذوا عنه، ورجل يدري وهو لا يدري أنه يدري فذاك ناس فذكروه، ورجل لا يدري وهو يدري أنه لا يدري فذاك مسترشد فعلموه، ورجل لا يدري وهو لا يدري أنه لا يدري فذاك جاهل فارفضوه.

                                                                          أخبرنا بذلك أبو الحسن ابن البخاري بدمشق، قال : أخبرنا أبو حفص بن طبرزد، قال : أخبرنا أبو منصور القزاز.

                                                                          وأخبرنا أبو العز بن الصيقل الحراني، بمصر، قال : أخبرنا أحمد بن الحسن بن أبي البقاء ببغداد، قال : أخبرنا أبو الحسن بن عبد السلام، قالا : أخبرنا أبو الحسين بن النقور، قال : أخبرنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن هارون الضبي، قال : حدثنا أبو الحسين عبد الله بن محمد بن شاذان، قال : حدثنا محمد بن سهل بن الحسن، قال : حدثنا أحمد بن سفيان الطائي، فذكره.

                                                                          وقال يحيى بن أبي بكير الكرماني، عن أبيه : قال رجل للخليل بن أحمد : إنه قد وقع في نفسي شيء من القدر، فبين لي ذلك، قال : تبصر شيئا من مخارج الكلام؟ قال : نعم، قال : أين مخرج الحاء؟ قال : من أصل اللسان، قال : أين مخرج الثاء؟ قال : من طرف اللسان، قال : [ ص: 329 ] اجعل هذا مكان هذا، وهذا مكان هذا، قال : لا أستطيع، قال : فأنت عبد مدبر.

                                                                          وقال أبو مزاحم الخاقاني ، عن إبراهيم بن إسماعيل الحربي : كان أهل البصرة يعني أهل العربية منهم أصحاب الأهواء إلا أربعة فإنهم كانوا أصحاب سنة : أبو عمرو بن العلاء، والخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب، والأصمعي.

                                                                          وقال محمد بن العباس النحوي، عن الفضل بن محمد اليزيدي : قدم الخليل بن أحمد علي، وأنا على طنفسة، فأوسعت له عليها فأبى إلا القعود معي عليها، ثم قال : مهلا إن الموضع الضيق يتسع بالمتحابين، وإن الواسع من الأرض ليضيق بالمتباغضين، ثم أنشأ الخليل بن أحمد يقول :


                                                                          يقولون لي دار المحبين قد دنت وإني كئيب إن ذا لعجيب     فقلت : وما يغني الديار وقربها
                                                                          إذا لم يكن بين القلوب قريب

                                                                          وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري : حدثنا موسى بن أيوب، قال : حدثنا مخلد بن حسين، قال : ولي سليمان - يعني ابن حبيب المهلبي - فبعث إلى الخليل بن أحمد يأتيه، فنثر كسرا بين يدي رسوله، وقال :


                                                                          أبلغ سليمان أني عنه في سعة     وفي غنى غير أني لست ذا مال
                                                                          سخي بنفسي أن لا أرى أحدا     يموت هزلا ولا يبقى على حال

                                                                          [ ص: 330 ] أخبرنا بذلك أبو العز الحراني، قال : أنبأنا أبو الفرج بن كليب، قال : حدثنا أبو عثمان بن ملة إملاء، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن النعمان إملاء، قال : أخبرنا أبو عمر عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن أبان، قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن سفيان، قال : حدثنا إبراهيم بن سعيد، فذكره.

                                                                          وقال محمد بن يونس الكديمي، عن يزيد بن مرة الذارع، سمعت الخليل بن أحمد ينشد :


                                                                          حسبك من دهرك هذا القوت     ما أكثر القوت لمن يموت

                                                                          وقال أبو حاتم بن حبان في كتاب "الثقات" : كان من خيار عباد الله المتقشفين في العبادة.

                                                                          وقال أبو سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي في "أخبار النحويين" : وعن عيسى بن عمر الثقفي، أخذ الخليل بن أحمد، ولعيسى كتابان في النحو : يسمى أحدهما "الجامع" والآخر "المكمل" فقال الخليل بن أحمد :


                                                                          بطل النحو جميعا كله     غير ما أحدث عيسى بن عمر
                                                                          ذاك إكمال وهذا جامع     فهما للناس شمس وقمر

                                                                          وقال أيضا : وأما الخليل بن أحمد أبو عبد الرحمن الأزدي الفراهيدي، فقد كان الغاية في استخراج مسائل النحو، وتصحيح القياس [ ص: 331 ] فيه، وهو أول من استخرج العروض، وحصر أشعار العرب بها، وعمل أول كتاب "العين" المعروف المشهور الذي به يتهيأ ضبط اللغة، وكان من الزهاد في الدنيا، والمنقطعين إلى العلم، ويروى عنه أنه قال : إن لم تكن هذه الطائفة - يعني أهل العلم - أولياء الله فليس لله ولي.

                                                                          وقد كان وجه إليه سليمان بن علي من الأهواز، وكان واليها، يلتمس منه الشخوص إليه وتأديب أولاده، ويرغبه - ويقال : إن الذي وجه إليه سليمان بن حبيب بن المهلب من أرض السند، يستدعيه إليه - وكان الخليل بالبصرة فأخرج الخليل إلى رسول سليمان خبزا يابسا، وقال : ما عندي غيره، وما دمت أجده فلا حاجة لي في سليمان، فقال الرسول : فما أبلغه عنك؟ فأنشأ يقول :

                                                                          أبلغ سليمان أني عنك في سعة

                                                                          فذكر البيتين، وزاد غير السيرافي بيتا ثالثا :

                                                                          فالرزق عن قدر لا العجز ينقصه     ولا يزيدك فيه حول محتال

                                                                          قال السيرافي : وكان الخليل يقول الشعر، البيتين والثلاثة ونحوها في الآداب، كمثل ما يروى له :

                                                                          لو كنت تعلم ما أقول عذرتني     أو كنت أجهل ما تقول عذلتكا
                                                                          لكن جهلت مقالتي فعذلتني     وعلمت أنك جاهل فعذرتكا

                                                                          وكما يروى له في الزهد : [ ص: 332 ]

                                                                          وقبلك داوى الطبيب المريض     فعاش المريض ومات الطبيب
                                                                          فكن مستعدا لداء الفنا     فإن الذي هو آت قريب

                                                                          قال : والخليل أستاذ سيبويه، وعامة الحكاية في "كتاب" سيبويه عن الخليل، وكلما قال سيبويه "وسألته" أو "قال" من غير أن يذكر قائله فهو الخليل.

                                                                          ثم قال : وأما سيبويه - ويكنى أبا بشر، واسمه عمرو بن عثمان بن قنبر، مولى بني الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مالك بن أدد، وسيبويه بالفارسية : رائحة التفاح - فأخذ النحو عن الخليل، وهو أستاذه، وعن يونس، وعيسى بن عمر وغيرهم.

                                                                          ويقال : نجم من أصحاب الخليل أربعة : عمرو بن عثمان سيبويه، والنضر بن شميل، وأبو فيد مؤرج العجلي، وعلي بن نصر الجهضمي، وكان أبرعهم في النحو سيبويه، وغلب على النضر بن شميل اللغة، وعلى مؤرج العجلي الشعر واللغة، وعلى علي بن نصر الحديث.

                                                                          قال : وكان من أهل البصرة جماعة انتهى إليهم علم اللغة والشعر وكانوا نحويين منهم : الخليل بن أحمد، وأبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي، والأصمعي، وأبو زيد الأنصاري، فهؤلاء المشاهير في اللغة والشعر، ولهم كتب مصنفة، وكان بالبصرة جماعة غيرهم قبلهم وفي عصرهم، كأبي الخطاب الأخفش، وكان قبل هؤلاء وفي عصرهم خلف الأحمر، وأبو مالك عمرو بن كركرة الأعرابي، وأبو فيد مؤرج العجلي [ ص: 333 ] وغيرهم، ويقال : إن الأصمعي كان يحفظ ثلث اللغة، وكان أبو زيد يحفظ ثلثي اللغة، وكان الخليل يحفظ نصف اللغة، وكان أبو مالك عمرو بن كركرة يحفظ اللغة كلها.

                                                                          روى له ابن ماجه في "التفسير".

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية