الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          معلومات الكتاب

                                                                          تهذيب الكمال في أسماء الرجال

                                                                          المزي - جمال الدين أبو الحجاج المزي

                                                                          صفحة جزء
                                                                          [ ص: 455 ] 1789 - (س) : داود بن نصير الطائي، أبو سليمان الكوفي، الفقيه الزاهد .

                                                                          روى عن : إسماعيل بن أبي خالد ، وحبيب بن أبي عمرة ، وحميد الطويل ، وسعد بن سعيد الأنصاري ، وسليمان الأعمش (س) ، وعبد الملك بن عمير (س) ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وهشام بن عروة (س) .

                                                                          روى عنه : إسحاق بن منصور السلولي (س) ، وإسماعيل ابن علية (س) ، وأفلح بن محمد بن زرعة السلمي البخاري ، وحماد بن أبي حنيفة ، وزافر بن سليمان ، وسفيان بن عيينة ، وشعيب بن حرب ، وصالح بن موسى ، وظفر بن عبد الرحمن الحماني ، وعباءة بن كليب ، وعبد الله بن إدريس ، وعطاء بن مسلم الحلبي الخفاف ، وأبو نعيم الفضل بن دكين ، والفضل بن موسى السيناني ، والقاسم بن الضحاك بن [ ص: 456 ] المختار بن فلفل ، ومصعب بن المقدام (س) ، ومعاوية بن حفص ، ووكيع بن الجراح ، والوليد بن عقبة الشيباني .

                                                                          قال الغلابي ، عن يحيى بن معين : ثقة.

                                                                          وقال علي ابن المديني، عن سفيان بن عيينة : كان داود الطائي ممن علم وفقه. قال : وكان يختلف إلى أبي حنيفة حتى نفذ في ذلك الكلام، قال : فأخذ حصاة فحذف بها إنسانا، فقال له أبو حنيفة : يا أبا سليمان طال لسانك وطالت يدك! قال : فاختلف بعد ذلك سنة لا يسأل ولا يجيب، فلما علم أنه يصبر، عمد إلى كتبه فغرقها في الفرات، ثم أقبل على العبادة وتخلى، قال : وكان زائدة صديقا له، وكان يعلم أنه يجيب في آية من القرآن يفسرها الم غلبت الروم فأتاه فصلى إلى جنبه فلما انفتل، قال : يا أبا سليمان الم غلبت الروم فقال : يا أبا الصلت انقطع الجواب فيها، انقطع الجواب فيها، مرتين.

                                                                          وقال علي بن حرب الطائي، عن محمد بن بشر : قدم علينا داود الطائي من السواد، وكنا نضحك منه، فما مات حتى سادنا.

                                                                          وقال محمد بن الحسين البرجلاني، عن أبي النعمان رستم بن أسامة : حدثني عمير بن صدقة، قال : كان داود الطائي لي صديقا، وكنا نجلس جميعا في حلقة أبي حنيفة حتى اعتزل وتعبد، فأتيته، فقلت : يا أبا سليمان جفوتنا، فقال : يا أبا محمد ليس مجلسكم ذاك من أمر الآخرة في شيء، ثم قال : استغفر الله، استغفر الله، ثم قام وتركني.

                                                                          [ ص: 457 ] وقال عبد الله بن أحمد بن شبويه، عن أبيه : سمعت حفص بن حميد يقول : سئل داود الطائي عن مسألة، فقال داود : أليس المحارب إذا أراد أن يلقى الحرب، أليس يجمع له آلته؟ فإذا أفنى عمره في جمع الآلة يحارب؟ إن العلم آلة العمل، فإذا أفنى عمره فمتى يعمل؟

                                                                          وقال إبراهيم بن بشار الصوفي، عن إبراهيم بن أدهم : كان داود الطائي يقول : إن للخوف لحركات تعرف في الخائفين، ومقامات يعرفها المحبون، وإزعاجات يفوز بها المشتاقون، وأين أولئك؟ أولئك هم الفائزون.

                                                                          قال : وقال داود لسفيان : إذا كنت تشرب الماء البارد، وتأكل اللذيذ الطيب، وتمشي في الظل الظليل، فمتى تحب الموت، والقدوم على الله تعالى؟! قال : فبكى سفيان.

                                                                          وقال أحمد بن أبي الحواري، عن أبي سليمان الداراني : ورث داود الطائي من أمه دارا وكان ينتقل في بيوت الدار، كلما يخرب بيت من الدار انتقل منه إلى آخر، ولم يعمره حتى أتى على عامة بيوت الدار. قال : وورث من أمه دنانير، وكان يتقوتها حتى كفن بآخرها.

                                                                          وقال عبيد بن جناد الحلبي، عن عطاء بن مسلم الحلبي : عاش داود الطائي عشرين سنة بثلاث مائة درهم ينفقها على نفسه، فأتاه ابن أخيه، فقال : يا عم تكره التجارة؟ قال : لا. فقال : أعطني شيئا أتجر به، قال : فأعطاه ستين درهما، قال : فمكث شهرا، ثم جاءه بعشرين ومائة [ ص: 458 ] درهم، فقال : هذه ربحها، فقال : أنت كل شهر تربح الدرهم درهما، ينبغي أن يكون عندك بيت مال، أردت أن تخدعني، قال : فرمى بها، وقال : رد علي رأس مالي.

                                                                          وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن الحسن بن عيسى : سمعت عبد الله بن المبارك يقول : وهل الأمر إلا ما كان عليه داود الطائي؟!

                                                                          وقال عبيد الله بن محمد العيشي، عن سلمة بن سعيد : لقي داود الطائي رجل فسأله عن حديث، فقال : دعني، فإني أبادر خروج نفسي، قال : وكان الثوري إذا ذكر داود، قال : أبصر الطائي أمره.

                                                                          وقال محمد بن الحسين : حدثني ظفر بن عبد الرحمن عم يحيى الحماني، قال : قلت لداود الطائي : يا أبا سليمان ما ترى في الرمي، فإني أحب أن أتعلمه، قال : إن الرمي لحسن، ولكن هي أيامك فانظر بم تقطعها.

                                                                          وقال عبيد بن جناد، عن عطاء بن مسلم : كنا ندخل على داود الطائي، فلم يكن في بيته إلا بارية، ولبنة يضع عليها رأسه، وإجانة فيها خبز، ومطهرة يتوضأ منها ومنها يشرب.

                                                                          وقال الحافظ أبو بكر بن ثابت، فيما أخبرنا أبو العز الشيباني، عن أبي اليمن الكندي، عن أبي منصور القزاز، عنه : أخبرنا أحمد بن عمر بن روح، قال : حدثنا المعافى بن زكريا الجريري، قال : حدثنا محمد بن القاسم الأنباري، قال : حدثني أبي، قال : حدثنا موسى بن [ ص: 459 ] عبد الرحمن، قال : حدثنا محمد بن حسان، قال : قال لي عمي : قدم محمد بن قحطبة الكوفة، فقال : أحتاج إلى مؤدب يؤدب أولادي، حافظ لكتاب الله، عالم بسنة رسول الله والأثر وبالفقه والنحو والشعر وأيام الناس.

                                                                          فقيل : ما يجمع هذه الأشياء إلا داود الطائي، وكان محمد بن قحطبة ابن عم داود، فأرسل إليه يعرض ذلك عليه ويسني له الأرزاق والفائدة، فأبى داود ذلك، فأرسل إليه بدرة : عشرة آلاف درهم، وقال : استعن بها على دهرك، فردها، فوجه إليه بدرتين مع غلامين له مملوكين، وقال لهما : إن قبل البدرتين فأنتما حران، فمضيا بهما إليه فأبى أن يقبلهما، فقالا له : إن في قبولهما عتق رقابنا، فقال لهما : إني أخاف أن يكون في قبولهما وهق رقبتي في النار، رداها إليه، وقولا له أن يردهما على من أخذهما منه أولى من أن يعطيني أنا.

                                                                          قال الحافظ أبو بكر : وكان داود ممن شغل نفسه بالعلم، ودرس الفقه، وغيره من العلوم، ثم اختار بعد ذلك العزلة، وآثر الانفراد والخلوة، ولزم العبادة، واجتهد فيها إلى آخر عمره، وقدم بغداد في أيام المهدي، ثم عاد إلى الكوفة، وبها كانت وفاته.

                                                                          وقال أبو عبيد الآجري ، عن أبي داود : كان عند ابن عيينة، عن داود الطائي حديث واحد، وكان عند ابن علية عنه تسعة أحاديث. قال : وسمعت أبا داود يقول : دفن داود الطائي كتبه، ودفن أبو أسامة كتبه [ ص: 460 ] فما أخرجها، وكان بعد ذلك يستعير الكتب، ودفن أبو إبراهيم الترجماني كتبه.

                                                                          قال البخاري : مات بعد الثوري، قاله لي علي. قال : وقال لي ابن أبي الطيب، عن أبي داود : مات إسرائيل وداود في أيام وأنا بالكوفة. قال : وقال أبو نعيم : مات سنة ستين ومائة.

                                                                          وقال محمد بن عبد الله بن نمير : مات سنة خمس وستين ومائة.

                                                                          وقال إسحاق بن منصور السلولي : لما مات داود الطائي شيع جنازته الناس، فلما دفن قام ابن السماك على قبره، فقال : يا داود كنت تسهر ليلك إذ الناس ينامون، فقال الناس جميعا : صدقت، وكنت تربح إذ الناس يخسرون، فقال الناس جميعا : صدقت، وكنت تسلم إذ الناس يخوضون، فقال الناس جميعا : صدقت، حتى عدد فضائله كلها، فلما فرغ قام أبو بكر النهشلي، فحمد الله ثم قال : يا رب إن الناس قد قالوا ما عندهم مبلغ ما علموا، اللهم فاغفر له برحمتك، ولا تكله إلى عمله.

                                                                          [ ص: 461 ] وقال أبو حاتم الرازي، عن محمد بن يحيى بن عمر الواسطي، عن محمد بن بشير، عن حفص بن عمر الجعفي : اشتكى داود الطائي أياما، وكان سبب علته أنه مر بآية فيها ذكر النار، فكررها مرارا في ليلته، فأصبح مريضا، فوجدوه قد مات ورأسه على لبنة، ففتحوا باب الدار، ودخل ناس من إخوانه وجيرانه ومعهم ابن السماك، فلما نظر إلى رأسه، قال : يا داود، فضحت القراء، فلما حملوه إلى قبره خرج في جنازته خلق كثير، حتى خرجت ذوات الخدور، فقال ابن السماك : يا داود سجنت نفسك قبل أن تسجن، وحاسبت نفسك قبل أن تحاسب، فاليوم ترى ثواب ما كنت ترجو، وله كنت تنصب وتعمل، فقال أبو بكر بن عياش وهو على شفير القبر : اللهم لا تكل داود إلى عمله، قال : فأعجب الناس ما قال أبو بكر.

                                                                          روى له النسائي.

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية