الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف الذين رأوا الجمع

                                                                                                                                                                              بين الصلاتين في السفر في الوقت الذي يجمع

                                                                                                                                                                              فيه بين الصلاتين في السفر

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الوقت الذي يجوز لمن أراد الجمع بين الصلاتين أن يجمع بينهما فيه فقالت طائفة: من كان له أن يقصر فله أن يجمع [إن شاء] في وقت الأولى منهما، وإن شاء ففي وقت الآخرة، هذا قول الشافعي ، وإسحاق بن راهويه . قال الشافعي : جد به السير أو لم يجد، سائرا كان أو نازلا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بينهما بعرفة غير سائر إلا إلى الموقف، وبالمزدلفة نازلا ثابتا، وحكى عنه معاذ أنه جمع، فدلت حكايته على أن جمعه وهو نازل في سفره غير سائر فيه، وبه قال أبو ثور.

                                                                                                                                                                              1148 - أخبرنا الربيع ، قال: أخبرنا الشافعي ، قال: أنا مالك، عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، أن معاذ بن جبل أخبره: أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك، " فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم [يجمع] بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، قال: فأخر الصلاة يوما ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا ". [ ص: 130 ]

                                                                                                                                                                              وكان عطاء بن أبي رباح يقول: لا يضره أن يجمع بينهما في وقت أحدهما، وهذا يشبه مذهب سالم بن عبد الله ؛ لأن سالما سئل عن الجمع بين الصلاتين، فقال: ألم تر إلى جمع الناس بعرفة ؟ وإنما يجمع الناس بعرفة بين الصلاتين في وقت إحداهما، وقد روينا عن ابن عباس أنه جمع بين المغرب والعشاء [بعد] ما غاب الشفق.

                                                                                                                                                                              1149 - حدثنا محمد بن علي ، قال: نا سعيد، قال: نا أبو معاوية ، قال: نا حجاج، عن عطاء ، عن ابن عباس ، "أنه جمع بين المغرب والعشاء [بعد] ما غاب الشفق وهو جاء من الطائف ".

                                                                                                                                                                              وصلى مجاهد الظهر بعدما زالت الشمس ثم التفت فقال: ألا أريحكم من العصر؟ فنقول: بلى، فيصلي العصر. وقال طاوس كنحو مما قاله سالم.

                                                                                                                                                                              وقد احتج بعض من يقول بهذا القول بأن السنة أن تصلى الصلوات في أوقاتها، فلما سن النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بين الصلاتين في السفر، دل على أن حال الجمع غير حال التفريق بينهما، وليس لقول من قال إن الأولى منهما تصلى في آخر وقتها، والثانية في أول وقتها معنى، لأن ذلك لو فعله [ ص: 131 ] فاعل في الحضر، وحيث لا يجوز الجمع بين الصلاتين، ما كان عليه شيء.

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: إذا أراد المسافر الجمع بين الصلاتين أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء، وجمع بينهما، روي هذا القول عن سعد بن أبي وقاص ، وابن عمر ، وعكرمة.

                                                                                                                                                                              1150 - حدثنا علي بن الحسن ، قال: نا عبد الله، عن سفيان، قال: نا عاصم الأحول ، عن أبي عثمان قال: خرجت مع سعد إلى مكة ونحن موافدون، فكان يجمع بين الصلاتين يؤخر الظهر ويعجل العصر، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء ويجمع بينهما.

                                                                                                                                                                              1151 - حدثنا محمد بن علي ، قال: نا سعيد، قال: نا أبو الأحوص ، عن عبد الكريم الجزري، عن نافع قال: "كان ابن عمر إذا سافر جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، يؤخر من هذه ويعجل من هذه".

                                                                                                                                                                              وقال أحمد بن حنبل : وجه الجمع أن يؤخر الظهر حتى يدخل وقت العصر، ثم ينزل فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب كذلك، وإن قدم فأرجو أن لا يكون به بأس. وقال إسحاق: كما قال بلا رجاء.

                                                                                                                                                                              وقال أحمد في موضع آخر: يؤخر الظهر إلى العصر والمغرب إلى العشاء.

                                                                                                                                                                              وأما أصحاب الرأي فإنهم يرون أن يصلي الظهر في آخر وقتها [ ص: 132 ] والعصر في أول وقتها، فأما أن يصلي واحدة في وقت الأخرى فلا، إلا بعرفة ومزدلفة، وأما بغيرهما فلا.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: [اسم] الجمع بين الصلاتين يقع على من جمع بينهما في وقت إحداهما، وعلى من جمع بينهما فصلى الظهر في آخر وقتها والعصر في أول وقتها إن أمكن ذلك، غير أنك إذا تدبرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمت أنها دالة على إباحة الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما، مع أن الجمع بين الصلاتين إنما رخص فيه للمسافر تخفيفا عليه، ولو كان المسافر كلف إذا أراد الجمع بين الصلاتين أن يصلي الأولى من الصلاتين في آخر وقتها والأخرى في أول وقتها، لكان ذلك إلى التشديد على المسافر والتغليظ عليه أقرب، مع أن بعض أهل العلم قد قال: لا سبيل إلى الجمع بين الصلاتين على ما شرطه من زعم أن الجمع لا يجوز بين الصلاتين إلا أن يصلي هذه في آخر وقتها والأخرى في أول وقتها بوجه من الوجوه، والأخبار الثابتة مستغنى بها عن كل قول، فمما دل على ما قلناه جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين بعرفة في وقت الظهر وجمعه بالمزدلفة بين المغرب والعشاء في وقت العشاء.

                                                                                                                                                                              1152 - حدثنا إسحاق عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب

                                                                                                                                                                              وموسى بن عقبة، عن نافع قال: " أخبر ابن عمر بوجع امرأته وهو في سفر، فأخر المغرب، فقيل له: الصلاة؟ فسكت، وأخرها بعد ذهاب الشفق حتى ذهب هوى من الليل، ثم نزل وصلى المغرب والعشاء، ثم [ ص: 133 ] قال: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل إذا جد في السير أو إذا جد به الميسر ".

                                                                                                                                                                              1153 - حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: نا أبو رجاء وأبو معاوية ، قالا: نا المفضل بن فضالة، عن عقيل، عن الزهري ، عن أنس، "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يجمع بين الظهر والعصر في السفر، أخر الظهر حتى يكون أول وقت العصر، ثم ينزل فيجمع بينهما، وكان يؤخر المغرب حتى يكون أول وقت العشاء، ثم ينزل فيجمع بينهما".

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية