الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم

                                                                                                                                                                              في الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم فقالت طائفة: يجهر بها، كذلك قال الشافعي ، واحتج بحديث رواه عن معاوية أنه قرأ بسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن، ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها حتى قضى تلك الركعة، ولم يكبر حين يهوي حتى قضى تلك الصلاة، فلما سلم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين من كل مكان، يا معاوية أسرقت الصلاة أم نسيت؟ فلما صلى بعد ذلك قرأ بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعد أم القرآن وكبر حين يهوي ساجدا.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وروينا عن ابن عمر ، وابن عباس أنهما كانا يستفتحان ببسم الله الرحمن الرحيم، وروينا عن ابن الزبير أنه كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويقول: ما يمنعهم منها إلا الكبر، وروينا عن عطاء ، وطاوس، ومجاهد، وسعيد بن جبير أنهم كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم.

                                                                                                                                                                              1349 - أخبرنا الربيع ، قال: أخبرنا الشافعي ، قال: أخبرنا عبد المجيد، عن ابن جريج ، قال: حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم : أن أبا بكر بن حفص بن عمر أخبره، أن أنس بن مالك أخبره قال: صلى معاوية بالمدينة صلاة فجهر فيها بالقراءة، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن، ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها حتى قضى [ ص: 287 ] تلك الركعة، ولم يكبر حين يهوي ساجدا حتى قضى تلك الصلاة، فلما سلم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين من كل مكان يا معاوية! أسرقت الصلاة أم نسيت؟ فلما صلى بعد ذلك قرأ بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعد أم القرآن وكبر حين يهوي ساجدا.

                                                                                                                                                                              1350 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه كان يفتتح القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم.

                                                                                                                                                                              1351 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال: نا أبو النعمان، قال: نا حماد بن زيد ، عن أيوب، عن عكرمة : أن ابن عباس كان يستفتح القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم ويقول: إنما هو شيء استرقه الشيطان من الناس.

                                                                                                                                                                              1352 - حدثنا علي، قال: نا مسلم بن إبراهيم ، قال: نا شعبة ، عن الأزرق بن قيس قال: صليت خلف ابن الزبير فاستفتح القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم، فلما قرأ: ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) قال: بسم الله الرحمن الرحيم.

                                                                                                                                                                              1353 - حدثنا موسى بن هارون، قال: نا أبو بكر، قال: نا خالد بن مخلد ، عن عمر بن ذر، عن أبيه، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن [ ص: 288 ] أبيه: أن عمر كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.

                                                                                                                                                                              1354 - حدثنا علي بن الحسن ، قال: ثنا عبد الله، عن سفيان، عن عبد الملك بن أبي بشير، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قراءة الأعراب.

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ويقرأها الإمام في أول الحمد ويخفيها.

                                                                                                                                                                              هذا قول سفيان الثوري ، وأصحاب الرأي، وكان أحمد ، وأبو عبيد لا يريان الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.

                                                                                                                                                                              وممن روينا عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم: عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وعمار بن ياسر، وابن الزبير .

                                                                                                                                                                              1355 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن معمر قال: سمعت أيوب يسأل عاصم بن أبي النجود ما سمعت من قراءة بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال: أخبرني أبو وائل: أنه سمع عمر بن الخطاب يفتتح بـ ( الحمد لله رب العالمين ) . [ ص: 289 ]

                                                                                                                                                                              1356 - حدثنا إسماعيل، قال: ثنا أبو بكر قال: نا إسحاق بن سليمان الرازي ، عن أبي سنان ، عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود قال: "صليت خلف عمر سبعين صلاة فلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم".

                                                                                                                                                                              1357 - حدثنا إسماعيل، قال: ثنا أبو بكر قال: نا شريك، عن أبي إسحاق ، عن أبي وائل ، أن عليا وعمارا كانا لا يجهران ببسم الله الرحمن الرحيم.

                                                                                                                                                                              1358 - حدثنا إسماعيل، قال: نا أبو بكر، قال: نا هشيم ، عن سعيد بن المرزبان، عن أبي وائل ، عن عبد الله أنه كان يخفي بسم الله الرحمن الرحيم.

                                                                                                                                                                              1359 - حدثنا إسماعيل، قال: نا أبو بكر، قال: نا أبو أسامة ، عن هشام، عن أبيه وابن الزبير ؛ أنهما كانا لا يجهران.

                                                                                                                                                                              وروي ذلك عن ابن سيرين ، وقال الحكم، وحماد، وأبو إسحاق: اقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم في نفسك. وقال النخعي: جهر الإمام ببسم الله الرحمن الرحيم [بدعة] ، وقال الأوزاعي : خمس يخفيهن الإمام، فذكر بسم الله الرحمن الرحيم. [ ص: 290 ]

                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقد روينا في هذا الباب عن الحكم قولا ثالثا: وهو: إن شاء جهر ببسم الله الرحمن الرحيم وإن شاء أخفاها، وكذلك قال إسحاق بن راهويه ، وكان يميل إلى الجهر بها.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقد اختلف أهل العلم في تأويل الحديث الذي رويناه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر كانوا يستفتحون القراءة بـ ( الحمد لله رب العالمين ) . فقالت طائفة: ظاهر هذا الحديث يوجب أنهم كانوا لا يجهرون بسم الله الرحمن الرحيم ويخفونها، هذا مذهب الثوري ، ومن وافقه.

                                                                                                                                                                              وفي قول بعض من يميل إلى مذهب أهل المدينة : هذا الحديث يدل على أنهم كانوا لا يجهرون بها، ولا يصح أنهم قرؤوها سرا، فلا تقرأ سرا ولا جهرا.

                                                                                                                                                                              وفي قول من يرى الجهر ببسم الله الرحمن معنى قوله: كانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين. أي يفتتحون بقراءة الحمد - يعني بقراءة سورة الحمد - كما يقال: (افتتح سورة البقرة) ؛ لأن ذلك اسم للسورة، لا أنهم كانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم.

                                                                                                                                                                              وقال آخرون: لما ثبت أنهم كانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، وثبت حديث أبي هريرة أنه جهر ببسم الله الرحمن الرحيم، [ ص: 291 ] كان المصلي بالخيار إن شاء جهر بقراءة فاتحة الكتاب، وإن شاء أخفاها، وهذا موافق مذهب الحكم، وإسحاق ، وفي هذا الباب حجج قد ذكرتها [في] غير هذا الموضع.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية