الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم، [هل] هي آية من كتاب الله أم لا؟

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة، فقالت طائفة: لا يقرأ بها سرا ولا جهرا، كذلك قال مالك، [ ص: 281 ] والأوزاعي. وقال عبد الله بن معبد الزماني، والأوزاعي: ما أنزل في القرآن بسم الله الرحمن الرحيم إلا في النمل: ( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ) ، وكان مالك يقول: إذا صلى الرجل في قيام شهر رمضان استفتح في السورة ببسم الله الرحمن الرحيم إذا ابتدأ فواتحها، ولا يستفتح بها في أم القرآن.

                                                                                                                                                                              واحتج بعض من يقول بهذا القول بحديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر كانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، وقال هذا القائل: وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الخلفاء الراشدين المهديين أنهم كانوا يفتتحون القراءة بـ ( الحمد لله رب العالمين ) ، ولو كانت آية من فاتحة الكتاب لبدؤوا بها، فإن ادعى مدع أنهم كانوا يسرون بسم الله الرحمن الرحيم، قيل: هذه دعوى غيب، ولا يجوز إثبات خلاف ظاهر هذا الحديث إلا بخبر مثله.

                                                                                                                                                                              وقال آخر: لو كانت بسم الله الرحمن الرحيم آية في [أول] كل سورة لعدت في آي السور، فقد كتب الناس المصاحف، وكتبوا عدد آي كل سورة فلم يعدوها في عدد آي السور، فمن ذلك أنهم كتبوا سورة [ ص: 282 ] الكوثر ثلاث آيات، ولو عدوا بسم الله الرحمن الرحيم [آية] منها لكتبوا عددها أربع آيات، وكذلك جميع السور لا اختلاف بينهم في شيء منها إلا في فاتحة الكتاب، وقد أجمعوا أنها سبع آيات، واختلفوا [في] بسم الله الرحمن الرحيم أهي آية منها أم لا، فعدها أهل العراق سبع آيات جعلوا بسم الله الرحمن الرحيم آية منها، وفي عدد أهل المدينة سبع آيات ليس بسم الله الرحمن الرحيم منها.

                                                                                                                                                                              وليس في قوله: (كنا لا نعرف انقضاء السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم) دليل على أنها آية من كل سورة؛ لأنها إنما جعلت علما بين السورة والتي بعدها، لا أنها آية من إحدى السورتين، كما كتبت في أول كل كتاب.

                                                                                                                                                                              1345 - حدثنا يحيى بن محمد، قال: نا مسدد ، قال: نا بشر، قال: نا الجريري ، عن قيس بن عباية، عن [ابن] عبد الله بن مغفل ، قال: [ ص: 283 ] سمعني أبي وأنا أقرأ في صلاتي: بسم الله الرحمن الرحيم فقال: أي بني إياك والحدث، فإني قد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومع أبي بكر ، وصليت مع عمر، وصليت مع عثمان، فلم أسمع أحدا منهم يقرأها، إذا قرأت فقل: ( الحمد لله رب العالمين ) .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: فاتحة الكتاب سبع آيات، بسم الله الرحمن الرحيم آية منها، كذلك قال الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو عبيد، وكثير من أهل العراق .

                                                                                                                                                                              واحتج بعض أهل العلم بأنها مثبتة في مصاحف المسلمين، مدرجا فيها، مكتوبا بالسواد مع سائر آي القرآن، غير مميز بينها وبين سائر القرآن، كما ميزوا بين عدد الآي المثبتة بغير السواد في أوائل السور؛ لأنهم كتبوا عدد الآي بالخضرة، أو بالحمرة، وبغير السواد.

                                                                                                                                                                              واحتجوا بحديث رواه ابن جريج ، عن أبيه، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال: ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني ) أم القرآن، (قال) : وقرأها على سعيد كما قرأتها عليك، ثم قال: ( بسم الله الرحمن الرحيم ) [ ص: 284 ] الآية السابعة، قال ابن عباس : قد أخرجها الله لكم، فما أخرجها لأحد قبلكم.

                                                                                                                                                                              1346 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال: أخبرني أبي: أن سعيد بن جبير أخبره: أن ابن عباس قال: ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني ) أم القرآن، قال: وقرأ علي سعيد كما قرأتها عليك، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة، قال ابن عباس : قد أخرجها الله لكم، فما أخرجها لأحد قبلكم.

                                                                                                                                                                              1347 - حدثنا علي قال: قال عبيد، نا حجاج، عن أبي بكر الهذلي ، عن قتادة ، عن أبي نضرة ، عن أبي هريرة قال: ( صراط الذين أنعمت عليهم ) الآية السادسة.

                                                                                                                                                                              قال أبو عبيد : وقول أهل العراق في هذا أعجب إلي لحديث ابن عباس .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: يعني حديث ابن جريج ، عن أبيه، عن سعيد بن جبير . وقال قتادة في قوله: " ( سبعا من المثاني ) فقال: هي فاتحة الكتاب، تثنى في كل ركعة مكتوبة أو تطوع.

                                                                                                                                                                              واحتج آخر بحديث رويناه عن أبي هريرة ، وقد احتج بهذا الحديث من رأى الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة. [ ص: 285 ]

                                                                                                                                                                              1348 - حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا محمد بن عبد الحكم، قال: نا أبي وشعيب، عن الليث ، قال: ثنا خالد، عن ابن أبي هلال، عن نعيم المجمر قال: صليت وراء أبي هريرة فقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن حتى بلغ ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) قال: آمين، وقال الناس: آمين، ويقول: كلما سجد قال: الله أكبر، وإذا قام من الجلوس في اثنتين قال: الله أكبر، وإذا سلم قال: أما والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                              وكان الزهري يفتتح ببسم الله الرحمن الرحيم، فيقول: آية من كتاب الله تركها الناس، وقال عطاء : لا أدع أبدا بسم الله الرحمن الرحيم في مكتوبة وتطوع إلا ناسيا لأم القرآن والسورة التي أقرأ بعدها؛ هي آية من القرآن.قال ابن المبارك : من ترك بسم الله الرحمن الرحيم من القراءة فقد ترك مائة آية وثلاثة عشر آية [ ص: 286 ] .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية