الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم فيمن صلى وترك السجود على سائر الأعضاء غير الجبهة والأنف

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في المصلي يدع السجود على سائر الأعضاء غير الجبهة والأنف، فروينا عن مسروق : أنه رأى رجلا ساجدا رافعا رجليه فقال: [ما تمت] صلاة هذا. وقال أحمد بن حنبل : إذا وضع من اليدين بقدر الجبهة أجزأه، وقال أبو أيوب سليمان بن داود: إذا وضع الأكثر من كفه جازت صلاته، وكذلك في الركوع، وقال أبو خيثمة : لا يجزئه حتى يضع يديه على الأرض في السجود، وعلى الركبتين في الركوع.

                                                                                                                                                                              وقال ابن أبي خيثمة: وضع النبي صلى الله عليه وسلم يديه على ركبتيه وكفيه في السجود على الأرض. فهذا عندنا نقصان من صلاة من تركه، وأحب إلي أن يعيد، وقال إسحاق: كلما ترك السجود على شيء من الأعضاء السبعة لم يجزه، ويجزئه تغطيتها، [لأن] اسم السجود [ ص: 345 ] [واقع] عليها، وإن حال دونها حائل، وكلما لم يضع من هذه الأعضاء (عضوا) على الأرض وهو يقدر على إيقاعه لم يجزه. إلا ما بين عمر بن الخطاب في الزحام يوم الجمعة، أن له أن يسجد على ظهر أخيه إذا لم يمكنه السجود على الأرض.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقد روينا عن [شريح] أنه كان يصلي في البرنس ولا يخرج يده منه، وقال الحسن البصري : أدركت القوم يسجدون على عمائمهم، ويسجد أحدهم ويديه في قميصه، وقال النخعي في البرانس والطيالسة: رأيتهم يصلون فيها، ولا يخرجون أيديهم.

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: وأحب أن يباشر براحتيه الأرض في البرد والحر، وإن لم يفعل وسترهما من حر وبرد فسجد عليهما، فلا إعادة عليه، قال: وفي هذا قولان، أحدهما: أن [عليه أن] يسجد على جميع أعضائه التي أمر بالسجود عليها، والقول الثاني: إنه إذا سجد على جبهته أو شيء منها دون ما سواها أجزأه؛ لأنه إنما قصد بالسجود قصد الوجه تعبدا لله، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره"، وأنه أمر بكشف الوجه، ولم يؤمر بكشف ركبة ولا قدم. [ ص: 346 ]

                                                                                                                                                                              وقال بعض أهل العلم: (أجمع أهل العلم) على أن للمصلي أن يسجد على ركبتيه، وهما [مستورتان] بالثياب، وكذلك له أن يسجد وقدماه في الخفين، والجوربين، والنعلين، فهذه أعضاء من السبعة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أسجد على سبع " وإذا كانوا قد أجمعوا على ذلك فاللازم في الأعضاء الثلاث الباقية أن له أن يسجد عليها وبينها وبين الأرض حائل من ثوب أو ما أشبه ذلك عند حاجته للحر والبرد، وقال: (لو) لم يجز السجود على كور العمامة للحائل بين الجبهة والأرض، لكان السجود لا يجوز على حصيرة ولا خمرة، وقد روي عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم سجدوا على (البساط) ، وأما ما روي عمن كره السجود على كور العمامة، فيشبه أن يكون ذلك اختيار منهم، والله أعلم.

                                                                                                                                                                              1457 - حدثنا الربيع ، قال: أخبرنا الشافعي ، قال: أنا مالك، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه كان إذا سجد يضع كفيه على الذي يضع عليه جبهته، قال: ولقد رأيته في يوم شديد البرد يخرج يديه من تحت برنس. [ ص: 347 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية