الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في الكلام في الصلاة ساهيا اختلف أهل العلم في المصلي يتكلم في صلاته ساهيا، أو (سلم) قبل أن يكمل الصلاة وهو ساه، فقالت طائفة: يبني على صلاته ولا إعادة عليه. وممن صلى فسلم في ركعتين وبنى عليها وسجد سجدتي السهو: عبد الله بن الزبير ، وقال ابن عباس : أصاب، وروي ذلك عن عبد الله بن مسعود ، وفعل ذلك عروة بن الزبير .

                                                                                                                                                                              1565 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال: قال لي عطاء : صلى ابن الزبير ذات ليلة المغرب - قلت: وحضرت ذلك؟ قال: [ ص: 418 ] نعم - فسلم في ركعتين، فقال الناس: سبحان الله، سبحان الله، فقام فصلى الثالثة، فلما سلم سجد سجدتي السهو وسجدها الناس (معه) قال: فدخل أصحاب لنا على ابن عباس ، فذكر له بعض ذلك، كان يريد أن يعيب بذلك ابن الزبير ، فقال ابن عباس : أصاب وأصابوا.

                                                                                                                                                                              1566 - حدثنا إسماعيل، قال: نا أبو بكر، قال: نا وكيع ، عن سفيان، عن خصيف ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله، أنه سلم في ركعتين فقام وأتم وسجد سجدتين.

                                                                                                                                                                              1567 - وحدثونا عن الحسين بن عيسى، قال: أخبرنا ابن المبارك ، قال: نا حماد بن سلمة ، عن عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس بن مالك : أنه سلم في الظهر أو العصر في ثلاث ركعات ثم قام فأتم صلاته وسجد سجدتي السهو.

                                                                                                                                                                              وبه قال عطاء ، والحسن البصري، وقتادة، وسلم أنس بن مالك في الظهر أو العصر في ثلاث ركعات، ثم قام فأتم صلاته وسجد سجدتي السهو. وهذا قول عوام أهل الفتيا من علماء الأمصار منهم سفيان الثوري ، والشافعي ، وأحمد، وإسحاق ، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. [ ص: 419 ]

                                                                                                                                                                              وحكي ذلك عن ( أبي الزناد ) ، وابن أبي ليلى ، وقال الشعبي : إذا تكلم في صلاته بنى على ما مضى. وممن رأى أن يبني على صلاته إذا تكلم ساهيا أو جاهلا: يحيى الأنصاري، والأوزاعي، وبه قال أبو ثور، وحكي ذلك عن مالك، والشافعي .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: إذا تكلم ساهيا يستقبل صلاته، كذلك قال النخعي، وقتادة، وحماد بن أبي سليمان، والنعمان وأصحابه.

                                                                                                                                                                              وفرق أصحاب الرأي بين أن يسلم في غير موضع التسليم، وبين أن يتكلم ساهيا، فأوجبوا عليه إعادة الصلاة إذا تكلم ساهيا، وقالوا: يبني إذا سلم من ثنتين، ولا فرق عندهم بين أن يتكلم المرء عامدا في صلاته، وبين أن يسلم في ثنتين عامدا، في أن عليه في المسألتين الإعادة، فكان قياس مذهبهم هذا - إذا كان السلام في ثنتين يقوم مقام الكلام عامدا عندهم - أن يكون الكلام ساهيا مثل السلام في ثنتين ساهيا.

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن ابن المسيب أنه قال غير ذلك، روينا عنه أنه سئل عن رجل صلى مكتوبة فسها فسلم في ركعتين، فقال (له) سعيد: استأنف صلاة أخرى.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: واحتج الذين قالوا لا إعادة على من تكلم في صلاته [ ص: 420 ] بحديث (ذو) اليدين، وقد ذكرته. وأما ما ادعى بعضهم من نسخ الكلام، فإنما نسخ منه عمد الكلام، وكان النسخ بمكة ، وإسلام أبي هريرة بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بسبع سنين أو نحوها، وأبو هريرة يقول: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                              والكلام ساهيا في الصلاة ليس من هذا الباب بسبيل، فلو أن إماما سأل الناس اليوم وهو عند نفسه أنه قد أكمل الصلاة، ثم تبين له أنه لم يكملها، بنى على صلاته، وإن سأل أصحابه فكانوا في السهو مثله فسبيلهم سبيله، وإن علموا أنهم لم يكملوا صلاتهم فأجابوا إمامهم كانوا مفسدين لصلاتهم وعليهم الإعادة. وقد ذكرت الفرق بين القوم الذين كانوا بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين من يجيب إمامه اليوم في باب قبل.

                                                                                                                                                                              مسألة:

                                                                                                                                                                              قال النعمان: إذا سبح المرء في صلاته أو حمد الله، فإن كان ذلك منه ابتداء فليس بكلام، وإن كان ذلك منه جوابا فهو كلام، وإن وطئ [على] حصاة فقال: بسم الله، أراد بذلك الوجع فهو كلام، وكذلك إذا لسعته عقرب، وقال يعقوب في الأمرين جميعا: ليس بكلام. وقال النعمان في الرجل يجيب الرجل بلا إله إلا الله قال: هذا كلام. وفي [ ص: 421 ] قول يعقوب: لا يكون كلاما. وقال النعمان في (الرجل) يستفتحه الرجل وهو في الصلاة فيفتح عليه، قال: هذا كلام في الصلاة، وإن فتح على الإمام لم يكن كلاما.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقد ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه علمهم فيما ينوبهم في صلاتهم أن يسبح الرجال وتصفق النساء.

                                                                                                                                                                              1568 - حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا يعلى، قال: نا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء".

                                                                                                                                                                              وقال بظاهر هذا الخبر الأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد، وإسحاق ، وأبو ثور.

                                                                                                                                                                              وقال أبو بكر: إنما [جعل] النبي صلى الله عليه وسلم ذلك للمصلي؛ ليفهم به مكان الكلام الذي يحرم عليه وهو في الصلاة، وفي هذا الباب حديث علي بن أبي طالب .

                                                                                                                                                                              1569 - حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: نا محمد بن عبيد بن [ ص: 422 ] حساب قال: نا [ عبد الواحد بن زياد ] ، قال: نا عمارة بن القعقاع، عن الحارث العكلي، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن عبد الله بن نجي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كانت لي ساعة من السحر أدخل فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان في صلاة سبح، فكان ذلك إذنه لي، وإن لم يكن في صلاة أذن لي.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: فدلت هذه الأخبار مع حديث معاوية بن الحكم على أن التسبيح، والتكبير، وتلاوة القرآن لا يقطع الصلاة، فإن ادعى مدع أن ذلك إذا كان جوابا فسدت صلاة المصلي، مع إقراره بأن ذلك إذا كان ابتداء لم يقطع صلاته، طولب بالفرق بينهما، ولن يجد إلى الفرق بينهما سبيلا، وغير جائز إبطال صلاة امرئ مسلم ذكر الله فيها بغير حجة.

                                                                                                                                                                              وقال سفيان الثوري : إذا اشتكى شيئا، أو أصابه شيء في الصلاة فقال: بسم الله، ما أرى عليه شيئا. وحكي عن عبيد الله بن الحسن أنه قال - في رجل رمي في صلاته فقال: بسم الله - : إن ذلك لا يقطع صلاته. وشبه ذلك برجل عطس في الصلاة فحمد الله.

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيمن سلم في صلاته ساهيا وقد بقي عليه بعض صلاته، فقالت طائفة: يبني على صلاته إذا ذكر ذلك، ويسجد سجدتين وهو جالس عند فراغه من الصلاة قبل أن يسلم، وإن طال مسيره. هكذا قال يحيى الأنصاري. وقال الأوزاعي - فيمن سافر وصلى الظهر في منزله [ ص: 423 ] ركعتين، فلما سار يوما ذكر أنه لم يصل إلا ركعتين - قال: يصلي إليهما ركعتين، وقال: إن سلم من صلاته، وقد بقيت عليه ركعة من صلاة الظهر فذكرها في العصر قال: يمضي في العصر ثم يصلي تلك الركعة التي بقيت عليه من الظهر.

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: يبني على صلاته وإن طال به ذلك ما لم ينتقض وضوؤه الذي صلى به تلك الصلاة، هكذا قال الليث بن [سعد ].

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: وهو إن ذكر ذلك عصره (ذلك) ولم ينتقض وضوؤه، صلى ما بقي من صلاته وسجد سجدتي السهو بعد السلام، وإن لم يذكر ذلك حتى يطول ذلك استأنف الصلاة من أولها، هذا قول مالك.

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: إذا ذكر ذلك قريبا مثل كلام النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذي اليدين، فيرجع فيبني ويسجد سجدتي السهو، وإن تطاول ذلك به أعاد الصلاة. [ ص: 424 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية