الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر رفع اليدين عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع

                                                                                                                                                                              1376 - أخبرنا محمد [بن عبد الله] بن عبد الحكم ، قال: أخبرنا عبد الله بن وهب قال: أنا مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح التكبير للصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع فعلهما كذلك، وقال: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، وكان لا يفعل ذلك في السجود.

                                                                                                                                                                              1377 - حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا سليمان بن داود، قال: أنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن موسى بن [ ص: 300 ] عقبة، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي بن أبي طالب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه حذو منكبيه، ويصنعه إذا قضى قراءته وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد، وإذا قام من سجدتين كبر ورفع يديه كذلك.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وأن من السنة أن يرفع المرء يديه إذا افتتح الصلاة.

                                                                                                                                                                              واختلفوا في رفع اليدين عند الركوع، وعند رفع الرأس من الركوع، فقالت طائفة: يرفع المصلي يديه إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وروي هذا القول عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن التابعين، ومن بعدهم، روينا ذلك عن ابن عباس ، وابن عمر ، وأبي سعيد الخدري ، وابن الزبير ، وأنس بن مالك ، وقال الحسن: كان [ ص: 301 ] أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم [إذا كبروا] ، وإذا ركعوا، وإذا رفعوا رؤوسهم من الركوع، كأنها المراوح.

                                                                                                                                                                              1378 - حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى ، قال: نا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: نا معاذ بن معاذ، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة ، عن الحسن قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم إذا كبروا، وإذا ركعوا، وإذا رفعوا رؤوسهم من الركوع، كأنها المراوح.

                                                                                                                                                                              1379 - وحدثنا إسماعيل، قال: نا أبو بكر، قال: نا هشيم ، قال: أخبرنا ليث، عن عطاء قال: رأيت أبا سعيد الخدري ، ( وابن عمر ) ، وابن عباس ، وابن الزبير يرفعون أيديهم، نحوا من حديث الزهري ، يعني عن سالم، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في رفع اليدين.

                                                                                                                                                                              1380 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال: أخبرني حسن بن مسلم قال: سمعت طاوسا وهو يسأل عن رفع اليدين في الصلاة قال: رأيت عبد الله، وعبد الله ، [ وعبد الله ] يرفعون أيديهم في الصلاة. لعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير.

                                                                                                                                                                              1381 - حدثنا إسماعيل، قال: نا أبو بكر، قال: نا معاذ بن معاذ، عن حميد، عن أنس أنه كان يرفع [يديه] إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع، [ ص: 302 ] وإذا رفع رأسه من الركوع.

                                                                                                                                                                              1382 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال: نا حجاج، قال: نا حماد بن سلمة ، عن الأزرق بن قيس ، عن حطان بن عبد الله الرقاشي ، قال: علمنا أبو موسى الأشعري ، قام كأنه يصلي بنا، ويرفع يديه إلى أطراف أذنيه فقال: الله أكبر هكذا فاصنعوا، ، ثم كبر ورفع فقال: هكذا فاصنعوا، ثم رفع رأسه من الركوع وقال: سمع الله لمن حمده ورفع يديه ثم قال: هكذا فاصنعوا.

                                                                                                                                                                              وروي ذلك عن الحسن البصري ، وابن سيرين، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، ونافع، وابن أبي نجيح ، وقتادة، والحسن بن مسلم، والقاسم بن محمد، ومكحول، وعبد الله بن دينار، وسالم، ونافع، وابن عيينة ، وجرير بن عبد الحميد ، ويحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي ، وابن أبي عدي، ومعاذ بن معاذ العنبري، وعبد الوهاب الثقفي ، وصفوان بن عيسى، وروح بن عبادة، وعمر بن علي بن مقدم، وعبد الملك بن الصباح، وزهير بن نعيم البابي، وحماد بن مسعدة، (وأزهر السمان) ، وأبي داود الطيالسي ، وعثمان بن عمر البكراوي، ووهب بن جرير بن حازم، وبهز والمعلى ابني أسد، وابن قتيبة ، وأبي عبد الرحمن المقرئ، ويحيى بن حماد، ويحيى بن أبي الحجاج المنقري، و[أيوب بن [ ص: 303 ] المتوكل] المقرئ، ويعقوب بن إسحاق المقرئ، وعبيد الله بن عمر القواريري، وسليمان بن حرب، وأبي الوليد الطيالسي ، و[عمرو بن عون الواسطي] ، والحميدي ، ومسدد ، وعلي بن المديني .

                                                                                                                                                                              وحكى يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، عن مالك أنه سئل هل يرفع يديه في الركوع في الصلاة؟ قال: نعم، فقيل: وبعد أن يرفع رأسه من الركوع؟ قال: نعم قال: وهذا في سنة سبع وسبعين، قال يونس: وهي آخر سنة فارق فيها ابن وهب مالك.

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي : الذي بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اجتمع عليه علماء أهل الحجاز ، والشام، والبصرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر لافتتاح الصلاة، ويرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع، إلا أهل الكوفة فإنهم خالفوا في ذلك. [ ص: 304 ]

                                                                                                                                                                              وممن قال بمثل ما ذكرناه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتابعين: الليث بن سعد ، والشافعي ، وأحمد، وإسحاق ، وأبو ثور.

                                                                                                                                                                              1383 - وحدثنا أبو حاتم الرازي، قال: نا سلمة بن شبيب، قال: سمعت عبد الرزاق يقول: أخذ أهل مكة رفع [اليدين] في الصلاة في الافتتاح، والركوع، ورفع الرأس من الركوع عن ابن جريج ، وأخذه ابن جريج عن عطاء ، وأخذه عطاء عن ابن الزبير ، وأخذه ابن الزبير عن أبي بكر الصديق ، وأخذه أبو بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: يرفع المصلي يديه حين يفتتح الصلاة، ولا يرفع فيما سوى ذلك، هذا قول سفيان الثوري ، وأصحاب الرأي. واحتج بعضهم بأخبار رووها عن عمر، وعلي، وابن عمر ، والشعبي، والنخعي، وخيثمة، وإبراهيم، وابن أبي ليلى .

                                                                                                                                                                              1384 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال: نا أبو نعيم ، قال: نا أبو بكر، - يعني النهشلي - ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه، أنه كان مع علي بصفين قال: فكان يرفع يديه في الأولى ولا يرفع فيما سوى ذلك. [ ص: 305 ]

                                                                                                                                                                              1385 - حدثنا إسماعيل بن قتيبة ، قال: نا أبو بكر بن عياش ، عن حصين، عن مجاهد قال: ما رأيت ابن عمر يرفع يديه إلا في أول ما يفتتح.

                                                                                                                                                                              1386 - حدثنا إسماعيل، قال: نا أبو بكر، قال: نا يحيى بن آدم ، عن حسن بن عياش، عن عبد الملك بن أبجر، [عن الزبير بن عدي] ، عن إبراهيم، [عن] الأسود قال: صليت مع عمر فلم يرفع يديه في شيء من صلاته إلا حين يفتتح الصلاة، وقال عبد الملك: ورأيت الشعبي ، وإبراهيم، وأبا إسحاق لا يرفعون أيديهم إلا حين يفتتحون الصلاة.

                                                                                                                                                                              (واحتج بعض أهل القول) بحديث:

                                                                                                                                                                              1387 - حدثناه إسماعيل بن قتيبة ، قال: نا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: نا وكيع ، عن سفيان، عن عاصم هو ابن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن علقمة، عن عبد الله أنه قال: ألا أدلكم على صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرفع يديه إلا مرة. [ ص: 306 ]

                                                                                                                                                                              وحكى الأثرم، عن أحمد أنه ذكر وكيعا فقال: كان يروي الأحاديث على غير ألفاظها ويستعمل يعني كثيرا ويلحقها في الحديث، وذكر حديث عاصم بن كليب في الرفع حديث ابن مسعود .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد : قال لي أبو عبد الرحمن الوكيعي: كان وكيع يقول فيه يعني ثم لم يعد، وقد تكلم بعض أصحابنا في هذا الحديث، فذكر أن ابن إدريس روى هذا الحديث بإسناده عن عاصم بن كليب بإسناده عن عبد الله، وليس فيه: ثم لم يعد. [ ص: 307 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: فأما حديث علي [الذي] احتجوا به، فقد ثبت عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وأما ابن عمر فالمشهور عنه بالأسانيد الجياد من وجوه شتى رفع يديه في الصلاة في ثلاث مواضع كفعل [أصحابه] ، روى عنه ذلك سالم، ونافع، وهما كانا يفعلان ذلك، وهما أعلم به من غيرهما. وفي ثبوت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قد ذكرناه عنه في أول الباب مستغنى عن قول من سواه، فإن اعتل معتل بخبر روي عن ابن مسعود أنه كان يرفع إذا افتتح الصلاة، فلو ثبت هذا عن ابن مسعود لم يكن حجة على الأخبار التي ذكرناها؛ لأن عبد الله إذا ما حفظ، وحفظ علي بن أبي طالب ، وابن عمر ، وغيرهما، وأبو حميد في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الزيادة التي ذكرناها عنهم، فغير جائز ترك الزيادة التي حفظها هؤلاء من أجل أن ابن مسعود لم يحفظها، خفيت تلك الزيادة عليه كما خفي عليه السنة في وضع اليدين على الركبتين، كان يطبق يديه بين فخذيه، وتبعه عليه [جماعة من] أصحابه، والسنة التي نقل الناس إليها وضع اليدين على الركبتين. فلما جاز أن تخفى مثل هذه السنة التي عليها المسلمون اليوم جميعا - لا نعلمهم اليوم يختلفون فيه - على ابن مسعود ، [فيجوز] أن يخفى عليه ما حفظه أولئك، وأقل ما يجب على من [ ص: 308 ] نصح نفسه أن ينزل هذا الباب منزلة اختلاف أسامة وبلال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة، أثبت بلال صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة، ونفى ذلك أسامة، وحكم الناس لبلال؛ لأنه شاهد، ولم يحكموا لأسامة؛ لأنه نفى شيئا حفظه غيره، كذلك يجب أن يكون حال حديث ابن مسعود في اقتصاره على ما حفظه، وحال [من حفظ] ما لم يحفظه ابن مسعود ، إن ثبتت الزيادة التي زادوها؛ لأنهم حفظوا ما لم يحفظ عبد الله بن مسعود ، وهذا الذي قلناه بين واضح لمن وفقه الله للقول بالصواب واتباع السنن.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية