الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم فيمن تكلم في صلاته عامدا وهو يريد إصلاح صلاته

                                                                                                                                                                              أجمع أهل العلم على أن من تكلم في صلاته عامدا لكلامه، وهو لا يريد إصلاح شيء من أمرها، أن صلاته فاسدة.

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيمن تكلم في صلاته عامدا يريد به إصلاح صلاته، فقالت [ ص: 415 ] طائفة: عليه الإعادة، وممن هذا قوله الشافعي ، وأحمد، وإسحاق ، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.

                                                                                                                                                                              قال الشافعي : نقول حتما ألا يعمد أحد الكلام في الصلاة، وهو ذاكر لأنه فيها، فإن فعل (انتقضت) صلاته، وكان عليه أن يستأنف صلاة غيرها؛ لحديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما لم أعلم فيه مخالفا ممن لقيت من أهل العلم.

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: من تكلم في صلاته في أمر عذر فليس عليه شيء، لو أن رجلا قال للإمام وقد جهر بالصلاة (بالقراءة) في صلاة العصر: إنها العصر، لم يكن عليه شيء، ولو نظر إلى غلام يريد أن يسقط في بئر، أو مكان، فصاح به، أو انصرف إليه، أو انتهره، لم يكن بذلك [بأس] ، هذا قول الأوزاعي ، واحتج بأن ذا الشمالين قد تكلم مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تكلم عمر بن الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم أيضا.

                                                                                                                                                                              وقد حكي عن مالك أنه سئل عمن صنع في صلاته مثل ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم ذي اليدين حين كلم الناس وكلموه، قال: أرى أن يصنع في ذلك [ما] صنع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يخالف فيما سن فيه فإنه [ ص: 416 ] ، قال: "إنما أنسى لأسن" فقد سن، فأرى أن يبني هو ومن كلمه على ما صلوا، ولا ينبذوا صلاتهم، ولا يخالفوا ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: أما الإمام فإذا تكلم وهو عند نفسه أنه خارج عن صلاته وقد أكملها، فصلاته تامة إذا أكملها، وأما القوم الذين خلفه فإن كانوا قد علموا أن إمامهم لم يكمل صلاته فكلموه، وهم يعلمون [أنهم] في بقية من صلاتهم، فعليهم الإعادة؛ لأن حالهم خلاف حال من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهين:

                                                                                                                                                                              أحدهما: أن الفرائض قد كان يزاد وينقص منها، وينقلون من حال إلى حال، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، ألا ترى إلى قول ذي اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فلم يكن من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت مستيقن أنه متكلم في الصلاة، لاحتمال أن تكون قصرت، وليست الحال اليوم كذلك؛ لأن الفرائض قد تناهت فلا يزاد فيها ولا ينقص إلى يوم القيامة.

                                                                                                                                                                              والوجه الثاني: أن القوم الذين كانوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي فيهم قد أوجب عليهم أن يستجيبوا لله وللرسول إذا دعاهم لما يحييهم، يدل [ ص: 417 ] على ذلك حديث أبي هريرة ، وحديث أبي سعيد بن المعلى، فأما حديث أبي هريرة فقد ذكرته، وأما حديث أبي سعيد بن المعلى:

                                                                                                                                                                              1564 - فحدثنا محمد بن إسماعيل، قال: نا مسدد ، قال: نا يحيى، عن شعبة ، قال: حدثني خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم، عن أبي سعيد بن المعلى، قال: كنت أصلي في المسجد فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جئته قلت: يا رسول الله، كنت أصلي، قال: " ألم يقل الله: ( استجيبوا لله وللرسول ) ".

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وليست كذلك الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليس لأحد أن يجيب إماما يدعوه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل على من أجاب إمامه وهو يعلم أنه في بقية من صلاته الإعادة.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية