الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في الجلوس عند رفع الرأس من السجدتين قبل القيام

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم فيما يفعله المرء عند رفع رأسه من السجدة الآخرة من الركعة الأولى، والركعة الثالثة من الصلاة، فقالت طائفة: [ينهض] على صدور قدميه ولا يجلس. روي ذلك عن عبد الله بن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وقال النعمان بن أبي عياش : أدركت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من السجدة في أول ركعة والثالثة، قام كما هو ولم يجلس.

                                                                                                                                                                              1488 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن عبدة بن أبي لبابة قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد يقول: رمقت عبد الله بن مسعود في الصلاة فرأيته ينهض ولا يجلس، قال: ينهض على صدور قدميه في الركعة الأولى والثالثة. [ ص: 363 ]

                                                                                                                                                                              1489 - وحدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي عطية أن ابن عباس ، وابن عمر كانا يفعلان ذلك.

                                                                                                                                                                              1490 - حدثنا موسى، قال: نا عبد الأعلى ، قال: نا وهيب، عن عطاء بن السائب ، عن عمارة بن عمير ، قال: رأيت ابن عمر رفع رأسه من السجدة الثانية فنهض قائما.

                                                                                                                                                                              1491 - حدثنا إسماعيل، قال: نا أبو بكر، قال: نا أبو خالد الأحمر ، عن محمد بن عجلان ، عن النعمان بن أبي عياش ، قال: أدركت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا رفع رأسه من السجدة في أول ركعة والثالثة، قام كما هو ولم يجلس.

                                                                                                                                                                              1492 - حدثنا ابن عفان، قال: نا ابن نمير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد ؛ أنه رأى عبد الله بن مسعود ينهض على صدور قدميه.

                                                                                                                                                                              1493 - حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: نا عفان، قال: نا عبد الواحد بن زياد ، قال: نا سليمان الأعمش ، قال: رأيت عمارة يصلي من قبل أبواب كندة، فرأيته ركع ثم سجد، فلما قام من السجدة الآخرة قام كما هو، فلما انصرف ذكرت ذلك له، فقال: حدثني عبد الرحمن بن يزيد أنه رأى عبد الله بن مسعود يفعل ذلك، قال: فحدثت به محمد بن عبيد الله الثقفي فقال: رأيت عبد الرحمن بن [ ص: 364 ] أبي ليلى يقوم على صدور قدميه. فحدثت به عطية العوفي فقال: رأيت ابن عمر ، وابن عباس ، وابن الزبير ، وأبا سعيد الخدري يقومون على صدور أقدامهم.

                                                                                                                                                                              1494 - حدثنا أبو أحمد ، قال: أنا جعفر بن عون ، قال: نا الأعمش ، عن عطية، قال: رأيت عبد الله بن عمر ، وابن عباس يقومان على صدور أقدامهما.

                                                                                                                                                                              1495 - حدثنا إسماعيل، قال: نا أبو بكر، قال: نا وكيع ، عن محمد بن يزيد ، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد، عن عبيد بن أبي الجعد قال: كان علي ينهض في الصلاة على صدور قدميه.

                                                                                                                                                                              1496 - حدثنا إسماعيل، قال: نا أبو بكر، قال: نا أبو خالد ، عن عيسى بن ميسرة، عن الشعبي أن عمر، وعليا، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا ينهضون في الصلاة على صدور أقدامهم.

                                                                                                                                                                              1497 - حدثنا إسماعيل، قال: نا أبو بكر، قال: نا حميد بن عبد الرحمن ، عن هشام بن عروة ، عن وهب بن كيسان قال: رأيت ابن الزبير إذا سجد السجدة الثانية قام كما هو على صدور قدميه.

                                                                                                                                                                              وقال ابن أبي الزناد : السنة أن يعجل الإمام الوثوب من كل سجدة، [ ص: 365 ] ولا يجلس في الواحدة (والثلاث) .

                                                                                                                                                                              وهذا قول سفيان الثوري ، ومالك، وأصحاب الرأي.

                                                                                                                                                                              وممن روينا عنه أنه كان ينهض على صدور قدميه: عمر، وعلي، وابن الزبير ، وأبو سعيد الخدري ، وبه قال أحمد ، وإسحاق ، وفعل ذلك أحمد ، واحتج بحديث يحيى القطان عن ابن عجلان ، وبما روي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا ينهضون على صدور أقدامهم، وقال: عامة الأحاديث على ذلك، وذكر عمر، وعليا، وعبد الله ، وحديث ابن عجلان ، فذكر له حديث مالك بن الحويرث. فقال: قد عرفته، ذاك أكثر.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: حديث ابن عجلان الذي احتج به: رواه يحيى القطان، عن ابن عجلان ، عن علي بن يحيى بن خلاد ، عن أبيه، عن عمه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم قم".

                                                                                                                                                                              قالت طائفة: يقعد فإذا استوى قاعدا قام فاعتمد على الأرض، هذا قول الشافعي ، واحتج بحديث مالك بن الحويرث [ ص: 366 ] .

                                                                                                                                                                              1498 - أخبرنا الربيع ، قال: أخبرنا الشافعي ، قال: أخبرنا الثقفي ، عن أيوب، عن أبي قلابة ، قال: جاءنا مالك بن الحويرث فصلى في مسجدنا قال: والله إني لأصلي وما أريد الصلاة، ولكن أريد أن [أريكم] كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فذكر أنه يقوم من الركعة الأولى إذا أراد أن ينهض، قال: قلت: كيف؟ قال: مثل صلاتي هكذا.

                                                                                                                                                                              1499 - وأخبرنا الربيع ، قال: أخبرنا الشافعي ، قال: أخبرنا عبد الوهاب، عن خالد، عن أبي قلابة ، مثله. غير أنه قال: فكان مالك إذا رفع رأسه من السجدة الآخرة في الركعة الأولى فاستوى قاعدا، قام واعتمد على الأرض.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: من حجة من قال بهذا القول مع حديث مالك، حديث أبي حميد الساعدي .

                                                                                                                                                                              1500 - حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: نا مسدد ، قال: نا يحيى بن سعيد ، قال: نا عبد الحميد بن جعفر ، قال: حدثني محمد بن عمرو بن عطاء ، عن أبي حميد الساعدي ، قال: سمعته وهو في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أحدهم أبو قتادة بن ربعي يقول: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما.. وذكر الحديث. قال: ثم أهوى إلى الأرض ساجدا وقال: "الله أكبر" ثم ثنى رجله اليسرى فقعد [ ص: 367 ] عليها واعتدل، ثم أهوى ساجدا فقال: "الله أكبر"، ثم ثنى رجله وقعد واعتدل، ثم نهض.

                                                                                                                                                                              " واختلفوا في اعتماد الرجل على يديه عند القيام، فروينا عن ابن عمر أنه كان يعتمد على يديه إذا أراد القيام.

                                                                                                                                                                              1501 - حدثنا إسماعيل، قال: ثنا أبو بكر، قال: نا وكيع ، عن حماد بن سلمة ، عن الأزرق بن قيس قال: رأيت ابن عمر ينهض في الصلاة ويعتمد على يديه.

                                                                                                                                                                              وهكذا فعل مكحول ، وعمر بن عبد العزير، وابن أبي زكريا، والقاسم أبو عبد الرحمن ، وأبو مخرمة، وبه قال مالك، والشافعي ، وأحمد بن حنبل .

                                                                                                                                                                              ورأت طائفة: أن لا يعتمد على يديه إلا أن يكون شيخا كبيرا، روي ذلك عن علي. [ ص: 368 ]

                                                                                                                                                                              1502 - حدثنا إسماعيل، قال: ثنا أبو بكر، قال: نا أبو معاوية ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن زياد بن زيد السوائي، عن أبي جحيفة عن علي قال: من السنة في صلاة المكتوبة إذا نهض الرجل في الركعتين الأوليين ألا يعتمد بيديه على الأرض، إلا أن يكون شيخا كبيرا لا يستطيع.

                                                                                                                                                                              وبه قال النخعي والثوري .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في تقديم الرجل إحدى رجليه عند النهوض، فروينا عن ابن عباس أنه كرهه، وقال: هذه الخطوة الملعونة، وكره ذلك إسحاق بن راهويه إلا أن يكون شيخا كبيرا، وروي عن مجاهد أنه رخص في ذلك للشيخ الكبير.

                                                                                                                                                                              وكان مالك لا يرى بذلك بأسا.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية