الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في الشفق

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الشفق فقالت طائفة: الشفق الحمرة روي هذا القول عن ابن عمر ، وابن عباس .

                                                                                                                                                                              957 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن ثور بن يزيد ، قال: سمعت مكحولا ، يقول: كان عبادة بن الصامت وشداد بن أوس يصليان العشاء الآخرة إذا ذهبت الحمرة، قال مكحول : هو الشفق.

                                                                                                                                                                              958 - (حدثنا موسى بن هارون، قال: نا أبو مصعب الزهري ) قال: نا الدراوردي ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن عبد الله بن [ ص: 32 ] عمر، قال: الشفق: الحمرة.

                                                                                                                                                                              959 - وحدثونا عن أبي قدامة، قال: نا أحمد بن حنبل ، قال: نا هشيم ، قال: نا عبد الرحمن بن يحيى، عن [حيان بن أبي جبلة ] عن ابن عباس ، قال: الشفق الحمرة.

                                                                                                                                                                              وكان طاوس يصلي العشاء قبل أن يغيب البياض، وممن قال بأن الشفق الحمرة مالك بن أنس ، وسفيان الثوري ، وابن أبي ليلى ، والشافعي ، وأحمد، وإسحاق ، وأبو ثور، ويعقوب، ومحمد. [ ص: 33 ]

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: الشفق البياض. روينا عن أنس أنه كان إذا أراد أن يصلي العشاء قال لغلام له، - أو لمولى له - : انظر استواء (الأفقين) .

                                                                                                                                                                              وروينا عن ابن عباس أنه قال: الشفق البياض.

                                                                                                                                                                              وعن أبي هريرة أنه قال: صل العشاء إذا ذهب الشفق و (ادلام) الليل من هاهنا - وأشار إلى المشرق - فيما بينك وبين ثلث الليل وما عجلت بعد ذهاب الأفق فهو أفضل.

                                                                                                                                                                              960 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن عاصم بن سليمان، قال: كان أنس بن مالك إذا أراد أن يصلي العشاء قال لغلام له - أو لمولى له - : انظر استواء (الأفقين) .

                                                                                                                                                                              961 - وحدثني موسى بن هارون، قال: نا شجاع، قال: ثنا إسماعيل، قال: نا ابن عون ، قال: حدثني موسى بن أنس ، أن أنسا، كان يصعد الجارية فوق البيت فيقول لها: إذا استوى الأفق ناديني.

                                                                                                                                                                              962 - حدثنا موسى بن هارون، قال: نا شريح، قال: نا هشيم ، عن عبد الرحمن بن يحيى، عن [حيان بن أبي جبلة ] ، عن ابن عباس ، قال: الشفق البياض [ ص: 34 ] .

                                                                                                                                                                              963 - حدثنا إسحاق، قال: أنا عبد الرزاق ، قال: أنا معمر ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن (ابن لبيبة) قال: جئت إلى أبي هريرة فقال: صل صلاة العشاء إذا ذهب الشفق وادلأم الليل من ههنا - وأشار إلى المشرق - فيما بينك وبين ثلث الليل، وما عجلت بعد ذهاب بياض الأفق فهو أفضل.

                                                                                                                                                                              وروينا عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: صلوا صلاة العشاء إذا ذهب بياض الأفق. وكان الأوزاعي يقول في صلاة العشاء: لا إلا أن يغيب الشفق وذهاب بقية بياض الأفق.

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي ، وسعيد بن عبد العزيز: إذا اجتمع البياض من الأفق فسطع فصل. وكان النعمان يقول: الشفق البياض، وحكي ذلك عن زفر، وقال أحمد : أما في الحضر، فيعجبني أن يصلي إذا ذهب البياض، وفي السفر يجزئه إذا ذهبت الحمرة ويجزئه عنده في الحضر والسفر إذا ذهبت الحمرة،.

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة ثالثة: الشفق اسم لمعنيين مختلفين عند العرب، وهي الحمرة والبياض، وإنما جعلنا ذلك على الحمرة دون البياض؛ لثبوت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى حين غاب الشفق، وكان ذلك [ ص: 35 ] على ما ألزمه اسم الشفق، فلما كانت الحمرة تسمى شفقا لم يكن لأحد أن يقول: ليس ذلك الشفق الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأخبار على العموم والظاهر.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقد احتج بعض من قال: إن الشفق البياض بأحاديث منها حديث أبي مسعود .

                                                                                                                                                                              964 - حدثنا الربيع بن سليمان، قال: نا ابن وهب ، قال: أخبرني أسامة، أن ابن شهاب، أخبره أن عمر بن عبد العزيز قال له عروة بن الزبير : سمعت بشير بن أبي مسعود الأنصاري يقول: سمعت أبا مسعود الأنصاري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نزل جبريل، فأخبرني بوقت الصلاة"، ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء حين يسود الأفق، وربما أخرها حتى يجتمع الناس، قال: وإنما يسود الأفق إذا ذهبت الحمرة والبياض جميعا.

                                                                                                                                                                              وقال قائل: قد أجمع أهل العلم على دخول وقت العشاء إذا غاب البياض، وهم قبل ذلك مختلفون في دخول وقت العشاء، فلا يجب فرض العشاء إلا بإجماع منهم، ولم يجمعوا قط على ذلك إلا بعد ذهاب البياض.

                                                                                                                                                                              وقد زعم بعض أصحاب الشافعي أن القياس يدل على أن الشفق البياض، قال: لأنه يتقدم الشمس بمجيئها ويذهب بذهابها، فكما كان الصبح يجب بمجيء بياض، فكذلك تجب العشاء بذهاب البياض [ ص: 36 ] .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية