الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الاستعاذة في الصلاة قبل القراءة

                                                                                                                                                                              قال الله - تبارك وتعالى - : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) .

                                                                                                                                                                              1271 - حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال: نا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: نا محمد بن فضيل ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه، ونفخه، ونفثه، قال: فهمزه الموتة، ونفثه الشعر، ونفخه الكبر".

                                                                                                                                                                              1272 - وحدثني علي، عن أبي عبيد أنه قال: قيل: " يا رسول الله، ما همزه ونفثه؟ قال: "أما همزه فالموتة، وأما نفثه فالشعر، وأما نفخه فالكبر".

                                                                                                                                                                              فهذا تفسير النبي صلى الله عليه وسلم ولتفسيره تفسير، فالموتة الجنون، وإنما سماه [ ص: 233 ] همزا؛ لأنه جعله من النخس والغمز، وكل شيء دفعته فقد همزته، وأما الشعر فإنما سماه نفثا؛ لأنه كالشيء ينفثه الإنسان من فيه مثل الرقية ونحوها، وليس معناه [إلا] الشعر الذي كان يقوله المشركون في النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأما الكبر فإنما سمي نفخا لما يوسوس إليه الشيطان في نفسه فيعظمها عنده ويحقر الناس في عينه حتى يدخله لذلك الكبر، والتجبر، والزهو.

                                                                                                                                                                              1273 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن جعفر بن سليمان، عن علي بن علي الرفاعي، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول قبل القراءة: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".

                                                                                                                                                                              وكان ابن عمر يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم".

                                                                                                                                                                              1274 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال: " [سألت] نافعا مولى ابن عمر : هل تدري كيف كان ابن عمر يستعيذ؟ [ ص: 234 ] قال: كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم ".

                                                                                                                                                                              1275 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال: "همزه الموتة يعني الجنون، ونفخه الكبر، ونفثه الشعر.

                                                                                                                                                                              وقال عطاء : أقول بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ( وأعوذ بك رب أن يحضرون ) أو يدخلوا بيتي الذي [يؤويني] ، وقل (ما أبلغ) هذا القول كله كثيرا مما أدع أكثره، ويجزئك ألا تزيد على أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

                                                                                                                                                                              وممن كان يرى الاستعاذة في الصلاة الأوزاعي ، وسفيان الثوري ، والشافعي ، وأحمد، وإسحاق ، وأصحاب الرأي.

                                                                                                                                                                              وكان إسحاق يقول: كالذي روي عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أن يقول: "الله أكبر كبيرا ثلاثا، [الحمد لله كثيرا، ثلاثا] ، سبحان الله بكرة وأصيلا، ثلاثا، اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه، ونفخه، ونفثه". [ ص: 235 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: أحسن شيء روي في هذا الباب حديث عبد الله بن مسعود ، وحديث جبير بن مطعم رواه عباد بن عاصم، وعاصم العنزي، وهما مجهولان لا يدرى من هما، وقد ذكرت الحديثين في غير هذا الموضع، وما استعاذ المرء مما ذكرناه فهو جائز. [ ص: 236 ]

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الاستعاذة في كل ركعة، فقالت طائفة: يجزئه أن يستعيذ في أول ركعة، كذلك قال النخعي، والحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، وسفيان الثوري .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: وهو أن يستعيذ في كل ركعة، وهكذا قال ابن سيرين ، وقال الشافعي : وقد قيل: إن قاله - يعني الاستعاذة - في كل ركعة قبل القراءة فحسن، ولا آمر به في شيء من الصلاة، أمري به في أول ركعة.

                                                                                                                                                                              وكان سفيان الثوري لا يرى خلف الإمام تعوذا.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وذلك (أنه) كان لا يرى خلف الإمام قراءة، فأما على مذهب من يرى القراءة خلف الإمام فإنه يستعيذ، ويفعل ذلك الإمام والمنفرد، وكان مالك لا يرى أن يفتتح القراءة بشيء مما ذكرته، ولا يأمر بالاستعاذة، قال مالك: يكبر ثم يقرأ [ ص: 237 ] .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية