الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر من ترك من الصلاة سجدة أو أكثر منها ثم ذكرها قبل أن يفرغ من صلاته

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: اختلف أهل العلم في الرجل يصلي أربع ركعات ونسي من كل ركعة سجدة ثم يذكرها في آخر صلاته، فقالت طائفة: يسجد أربع سجدات وقد تمت صلاته، هكذا قال الحسن البصري ، وسفيان الثوري ، وأصحاب الرأي. وقال النخعي: فيمن نسي سجدة من صلاته فذكرها قبل أن يفرغ من صلاته قال: يسجدها متى ما ذكر، فإذا قضى صلاته فليسجد سجدتي السهو، وكذلك قال الحسن البصري .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان في الرجل يصلي وهو راكع فيذكر أن عليه سجدة [ ص: 488 ] فانحط فسجد أو ذكر ذلك وهو ساجد، قال: يرفع رأسه فيسجد، ثم يعيد الركعة التي انحط منها أو السجدة [التي] رفع رأسه منها، وإن لم يفعل أجزأه فيهما جميعا.

                                                                                                                                                                              وفيه قول [ثان] قاله الأوزاعي ، قال في رجل صلى ركعة فلم يسجد فيها إلا سجدة، قال: إن ذكر السجدة وهو قائم في الثانية (فقرأ) قبل أن يركع، [أو ذكرها] بعدما ركع خر ساجدا فقضاها، ثم عاد إلى قيامه (فقرأ) بآيات ثم ركع، وإن لم يذكرها حتى رفع رأسه منها وهو يقول: سمع الله لمن حمده، سجد فيها ثلاث سجدات، سجدة للتي نسي وسجدتين لركعته الثانية، وإن لم يذكر السجدة التي نسي حتى يركع ويسجد لركعته الثانية سجدة، فإنه يرفع رأسه من سجدته التي هو فيها، ثم يسجد السجدة التي نسي ثم يرجع ليسجد سجدته الثانية.

                                                                                                                                                                              وحكي عن الأوزاعي أنه قال في رجل نسي سجدة من صلاة الظهر، ثم ذكرها وهو في صلاة العصر قال: يمضي في صلاته فإذا فرغ سجدها، وروي عن مكحول أنه قال في الرجل يصلي فينسى من صلاته ركعة أو سجدة قال: يصليها متى ذكرها ويسجد سجدتي السهو، وهكذا قال محمد بن أسلم الطوسي، ولم يذكر سجود السهو.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث قاله الشافعي قال: فيمن فرغ من صلاته ثم ذكر أنه [ ص: 489 ] ناس لأربع سجدات من كل ركعة سجدة: فقد تمت له اثنتان ويأتي بركعتين مع سجودهما، وسجود السهو كله قبل السلام. فإن نسي أربع سجدات ولا يدري من أيتهن هي، نزلناها على الأشد، فجعلناه ناسيا لسجدة من الأولى وسجدتين من الثانية، والثالثة فقد تمت، والرابعة نسي منها سجدة، فأضفنا إلى الأولى من الثالثة سجدة فتمت له ركعة، وبطلت السجدة التي بقيت في الثالثة؛ لأنه سجود قبل الركوع ولا معنى له، ويضيف إلى الرابعة سجدة يسجدها الساعة فيتم له الثانية ويأتي بركعتين بسجودهما والسهو. وهو مذهب أبي ثور.

                                                                                                                                                                              وفيه قول رابع قاله مالك: قال مالك فيمن افتتح الصلاة فقرأ وركع وسها عن سجدة منها فلم يذكرها إلا في الركعة الثانية [قال: إن ذكرها وهو قائم في الركعة الثانية] ، أو هو راكع قبل أن يرفع رأسه من الركوع سجدها واعتد بركعتها الأولى، ثم قام فابتدأ الركعة الثانية بقراءتها، وإن لم يذكر حتى يرفع رأسه من الركعة الثانية، ألغى الركعة الأولى التي نسي سجدتها ولم يعتد بها في صلاته، ثم يصلي ما بقي عليه من صلاته، وكذلك كل ركعة من الصلاة لم تتم (بسجدتها) إذا ذكر أنه لم يسجدها قبل أن يركع ويرفع رأسه من الركوع وقد قرأ، فليسجد التي نسي ثم يبتدئ التي قرأ بين السجدتين. [ ص: 490 ]

                                                                                                                                                                              وقال الليث بن سعد في الرجل يسهو في ثلاث ركعات في صلاته، لا يسجد لكل ركعة إلا سجدة: أنه يعيد تلك الركعات الثلاث بسجودها كاملا، ثم يسجد سجدتي السهو.

                                                                                                                                                                              وفيه قول خامس: قاله أحمد بن حنبل ، وإسحاق ، قالا: كل ركعة لا يأتي فيها بسجدتين حتى يأخذ في عمل الأخرى لم تجزه تلك الركعة؛ لأن الفرض عليه في كل ركعة سجدتان، فإذا ذكر سجدة وهو ساجد من ركعة متقدمة لم يعتد بالركعة المتقدمة، واعتد بهذه السجدة وركعتها، وقال أحمد في رجل نسي سجدة من ركعة، يعيد الركعة كأنه لم يركعها.

                                                                                                                                                                              وفيه قول سادس: قاله الحسن بن صالح ، قال الحسن في رجل يصلي أربع ركعات ويسهو أن يسجد لشيء منهن، ثم ذكر وهو جالس في الرابعة، قال: يسجد ثمان سجدات وتجزئه صلاته، فإن فعل ذلك جاهلا متعمدا، فإذا ركع الثانية قبل أن يسجد للأولى فسدت صلاته واستقبل. قال حميد بن عبد الرحمن : والذي تركها ساهيا ثم ذكر وهو جالس فإنه يقوم، فإذا استوى قائما انحط لسجدتي الأولى فسجدهما ثم قام، فإذا استوى قائما انحط لسجدتي الثانية، ثم كذلك حتى يفعل ذلك أربع مرات، ثم يتشهد ثم يسلم ويسجد سجدتي السهو.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: قول الشافعي حسن. [ ص: 491 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية