الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم

                                                                                                                                                                              في التعجيل بصلاة العصر وتأخيرها

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في تعجيل العصر وتأخيرها، فقالت طائفة: تعجيلها أفضل، كتب عمر بن الخطاب أن وقت العصر والشمس بيضاء نقية، بقدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة. وقال جابر بن عبد الله : صلى أبو بكر العصر ثم جاءنا ونحن في دور بني سلمة وعندنا جزور، وقد تشركنا عليها فنحرناها وجزأناها وصنعنا له فأكل قبل أن تغرب الشمس. وقال نافع : كان ابن عمر يصلي العصر والشمس بيضاء لم تتغير، من أسرع السير سار قبل الليل خمسة أميال.

                                                                                                                                                                              1011 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال: نا حجاج، قال: نا حماد، عن أيوب، عن نافع ، عن أسلم، قال: كتب عمر بن الخطاب : "أن وقت العصر والشمس بيضاء نقية، بقدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة".

                                                                                                                                                                              1012 - وحدثونا عن محمد بن يحيى ، قال: نا أحمد بن خالد الوهبي، قال: نا محمد بن إسحاق ، عن وهب بن كيسان ، عن جابر بن عبد الله ، قال: "لقد صلى أبو بكر العصر بالناس، ثم جاءنا ونحن في دور بني سلمة وعندنا جزور وقد تشركنا عليها فنحرناها وتجزأناها وصنعنا له فأكل قبل أن تغيب الشمس". [ ص: 59 ]

                                                                                                                                                                              1013 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال: نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك ، "أنه كان يصلي العصر، ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم، والشمس مرتفعة".

                                                                                                                                                                              1014 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، قال: " قلت لنافع : متى كان ابن عمر يصلي العصر؟ قال: والشمس بيضاء لم تتغير، من أسرع السير سار قبل الليل خمسة أميال ".

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وهذا مذهب أهل المدينة ، وبه قال الأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد، وإسحاق ، والأخبار الثابتة دالة على صحة هذا القول.

                                                                                                                                                                              1015 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن ابن شهاب، عن عروة ، عن عائشة ، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن يظهر ولم يظهر الفيء من حجرتها".

                                                                                                                                                                              1016 - حدثنا محمد بن عبد الله، قال: نا ابن أبي فديك، قال: حدثني ابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك ، أنه قال: [ ص: 60 ] "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس [بيضاء] حية ثم يذهب الذاهب إلى العوالي فيأتهم والشمس مرتفعة".

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقد ذكرت سائر الأخبار الدالة على صحة هذا القول في الكتاب الذي اختصرت منه هذا الكتاب.

                                                                                                                                                                              ورأت طائفة تأخير العصر أفضل، روينا عن أبي هريرة وابن مسعود أنهما كانا يؤخران العصر.

                                                                                                                                                                              1017 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، عن عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، أن ابن مسعود ، "كان يؤخر العصر".

                                                                                                                                                                              1018 - حدثونا عن يحيى بن يحيى، قال: أنا أبو معاوية ، عن أبي المنبه السعدي، عن سوار بن شبيب ، عن أبي هريرة ، "أنه كان يؤخر العصر".

                                                                                                                                                                              وروي ذلك عن طاوس، وأبي قلابة وابن سيرين وحكي عن أبي قلابة ، أنه قال: إنما سميت العصر لتعصر، وكذلك قال ابن شبرمة، وروينا عن إبراهيم، وهمام، وعلقمة أنهم كانوا يؤخرون العصر، وقال أصحاب الرأي: يصلى العصر في آخر وقتها والشمس بيضاء لم تغير في الشتاء والصيف. وقال سفيان الثوري : أول وقت العصر إذا كان ظلك مثلك إلى [ ص: 61 ] أن يكون ظلك مثليك وإن صلى ما لم تغير الشمس أجزته.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقد احتج بعض من يرى أن تعجيل العصر أفضل بالأخبار التي ذكرناها، وبأن ذلك عن أبي بكر وعمر، واحتج بأن الله خصها من بين الصلوات فأمر بالمحافظة عليها فقال ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ) وقد دلت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها العصر، ومما يدل على التغليظ على مؤخر العصر [وتعظيم أمر] صلاة العصر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "[الذي] تفوته العصر فكأنما وتر أهله وماله" ، وقوله: "عجلوا بالعصر في يوم الغيم فإنه من ترك العصر حبط عمله".

                                                                                                                                                                              1019 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، ومحمد بن علي، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الذي تفوته العصر فكأنما وتر أهله وماله".

                                                                                                                                                                              1020 - حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: نا خلاد، قال: نا الثوري ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي المهاجر، عن بريدة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عجلوا بصلاة العصر يوم الغيم فإنه من ترك صلاة العصر حبط عمله". [ ص: 62 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقد اختلف أهل العلم في الصلاة الوسطى فقالت طائفة: صلاة الوسطى صلاة العصر، روي هذا القول عن علي بن أبي طالب ، وأبي هريرة ، وأبي أيوب الأنصاري ، وزيد بن ثابت ، وأبي سعيد الخدري ، وابن عمر ، وابن عباس ، وعبيدة السلماني، والحسن البصري، والضحاك بن مزاحم.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: وهو أن الصلاة الوسطى صلاة الظهر، روي هذا القول عن ابن عمر ، وعائشة ، وعبد الله بن شداد.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: وهو أنها الصبح، وروينا ذلك عن ابن عمر ، وابن عباس ، وعكرمة، وطاوس، وعبد الله بن شداد، وعطاء، ومجاهد.

                                                                                                                                                                              ودلت الأخبار الثابتة على أن صلاة الوسطى صلاة العصر.

                                                                                                                                                                              1021 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى، عن شتير بن شكل العبسي، قال: سمعت عليا يقول: لما كان يوم الأحزاب صلينا العصر بين المغرب والعشاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ ص: 63 ] "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارا".

                                                                                                                                                                              1022 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال: نا حجاج قال: نا محمد بن طلحة عن زبيد عن مرة، عن عبد الله قال: حبس المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر حتى اصفرت الشمس أو احمرت فقال: "ما لهم ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا - أو حشا الله قبورهم وبيوتهم نارا - كما شغلونا عن صلاة الوسطى".

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: ويقال: إنها إنما سميت وسطى لأنها بين صلاتين في الليل وصلاتين في النهار.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية